قليلا من الإنصاف

TT

أقرأ بين الحين والآخر مقالات الأستاذ والخبير العسكري الكبير السيد وفيق السامرائي يحلل فيها الأوضاع في إيران دون أن يكون حياديا في شرح الأوضاع وإطلاق الأحكام، وهو في كل مقالاته التي يكتبها لـ«الشرق الأوسط» يبدي من السطر الأول من مقاله عناده ومعارضته للحكم في إيران، وهذا هو شأنه وشأن كل كاتب يكتب عن قناعة شخصية عن كل ما يجول في فكره.

السيد وفيق السامرائي كان أحد الضباط الكبار في الجيش العراقي وأحد المقربين من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهو عندما يتحدث عن الحرب العراقية الإيرانية ينقل للقراء تجاربه العسكرية، وهذا أمر جيد يستفيد منه القراء من معلومات جيدة يحفظها في ذاكرته ويتحف الآخرين بها.

ولكني أعجب من السيد السامرائي عندما يتحدث عن الأوضاع السياسية في إيران وهو بعيد كل البعد عن معرفة ما يجري في الداخل الإيراني، وأعتقد أنه لم يزر إيران ولم يعرف الأوضاع في الداخل إلا ما يقرأ في الصحف وما تنقله وكالات الأنباء وأنه يخطئ في أكثر الأحيان في تحليلاته السياسية لأنه عسكري كبير أحترم آراءه عندما يتعلق الأمر بالقضايا العسكرية.

من الموسف أن كثيرا من الكتاب العرب، إلا القليل منهم، عندما يكتبون عن إيران يكتبون عن انحياز مسبق ومن وجهة نظر غير حيادية، وأعتقد أن على الكاتب الذي يكتب في صحيفة مرموقة مثل «الشرق الأوسط» عن بلد كبير مثل إيران أن يعيد قراءة مقاله أكثر من مرة قبل أن يرسله إلى الصحيفة. إنني أدرك جيدا أن العديد من الكتاب لا يريدون أن يسمعوا ويروا دولة على الخارطة باسم الجمهورية الإسلامية في إيران، لأن هذه الجمهورية لا تتوافق سياستها مع قناعاتهم، خاصة أن أكثرهم لا يريدون أن تكون هناك دولة ترفع شعار الإسلام وتجاور البلدان العربية، وكما يقولون في كتاباتهم دولة تزايد على العرب في دعم القضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية ومعاداة الولايات المتحدة والغرب وامتلاك التكنولوجيا النووية.

أيها الأحباء؛ إيران هي دولة إسلامية إن شئتم أم أبيتم، وهي جارة لكم، فعليكم أن تعيشوا مع جيرانكم مهما كانت آراؤهم وأفكارهم، وهي طبعا لا تعادي العرب كما تعاديهم إسرائيل، ولا تشن حروبا عليهم كما شنت إسرائيل حروبا متعددة واحتلت أراضيهم وقتلت الآلاف من أبنائهم. فكيف يمكنكم أن تحرضوا الولايات المتحدة وإسرائيل لضرب منشآتها النووية وهل هذا من الإنصاف؟

هناك في إيران حكومة إسلامية يتزعمها الولي الفقيه، ولها موسساتها الدستورية كالبرلمان والحكومة والسلطة القضائية، ولها مؤسسات تقوم بدور رقابي مثل مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام. فلماذا لا تقبلون بوجود مثل هذه الحكومة التي لا تعادي العرب، بل تعلن في السر والعلن أنها تدعمهم وتريد لهم الخير؟ ولكن لماذا لا تصدقونها وتصدقون إسرائيل التي تدعي أن إيران عدوة للعرب ويجب على العرب أن يتحدوا معها لمواجهة إيران النووية.

منذ انتصار الثورة في إيران عام 1979 والانتخابات الرئاسية والبرلمانية تجري على قدم وساق من دون اعتراضات تذكر، ولكن الانتخابات الأخيرة واجهت معارضة من قبل اثنين من المرشحين، وهما رئيس الوزراء الأسبق وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام السيد مير حسين موسوي والرئيس الأسبق للبرلمان حجة الإسلام مهدي كروبي، واعتبرا أن هذه الانتخابات كانت غير شفافة وحصل فيها تزوير. ومنذ 12 حزيران وحتى الآن فإن هذه القضية هي الشغل الشاغل للسياسيين الإيرانيين سواء المحافظين منهم أو الإصلاحيين. ومن المدهش أن الأوضاع الناجمة عن الانتخابات أصبحت الشغل الشاغل لكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية، وكان هناك إصرار مسبق علي وجود ثورة في إيران ستطيح بالحكومة الإسلامية قريبا.

أعتقد أن كل ما قيل في داخل إيران وخارجها عن الانتخابات، ويستمر الحديث عنها، يشير إلى وجود حالة صحية لا يشير إليها الأخوة الكتاب العرب، بل إنهم يعللون ذلك بوجود الولي الفقيه الذي يملك الرقاب ويتحكم بكل شيء. هذا المنطق غير صحيح، لأن الكل في إيران يتحدث، وليس هناك أي مسؤول يمكنه تكميم الأفواه. الكل في الشارع والباص والتاكسي والجامعات والمدارس والحوزات يتحدث في السياسة، خلافا لكثير من الدول العربية والإسلامية، حيث الناس يكرهون التحدث في السياسة، إما خشية من الحاكم، أو نفورا من السياسة. لقد شهدت أنا الانتخابات في لبنان، ورأيت السياسيين اللبنانيين وهم يصرحون على القنوات التلفزيونية ويتكلمون بكل حرية ويهاجمون منافسيهم ويتهمونهم بأقذع التعابير والتهم من دون أن ينتقدهم أحد على تصرفهم ومن دون أن يعتبرهم معادين لحقوق الإنسان والديمقراطية، ولكن عندما يجلس الرئيس محمود أحمدي نجاد أمام السيد مير حسين موسوي في مناظرة تلفزيونية قبل أيام من إجراء الانتخابات ويتحدث كل منهم عما يريد ويتهم موسوي أحمدي نجاد بالكذب والدجل، وفي المقابل يتهم أحمدي نجاد كلا من رفسنجاني وخاتمي وموسوي بالتآمر عليه، تقوم الدنيا ولا تقعد لأن هذا مخالف للديمقراطية وأن حكومة ولاية الفقيه هي حكومة ديكتاتورية تكمم الأفواه وتعتقل الأحرار.

أعتقد أن إطلاق الأحكام على عواهنها بشأن الوضع في إيران لن ينفع، لأن الناس يعرفون الغث من السمين، والحق من الباطل. صحيح أن كثيرا من العرب لا يعجبهم نوع النظام في إيران لأنه نظام ديني ربما لا يتوافق مع قناعاتهم الدينية، ولكن هل يمكنني أن أسقط دولة تدعي أنها دولة إسلامية ودستورها إسلامي وتجعل اللغة العربية لغتها الثانية وتؤيد القضايا العربية وقائمة منذ ثلاثين عاما لمجرد أنها تعارض تطلعاتي وأفكاري. لقد أطاحت الجمهورية الإسلامية بنظام إمبراطوري كان يكره العرب وكان يسخر منهم ويصف العرب بأقذع الأوصاف، وكان يحتقر الزعماء العرب ويستعلي عليهم ولا يستقبلهم إلا ما ندر، وقد أصدر الشاه أوامره خلال السنوات الأخيرة من حكمه بتطهير اللغة الفارسية من الكلمات العربية، بل تبديل الحروف الفارسية العربية إلي اللاتينية على خطى كمال أتاتورك. الحكومة الإسلامية في إيران مهما كانت سلبياتها هي أقرب إلى العرب، وخير شاهد على ذلك، مواقفها من قضاياهم، وربما يعتقد كثيرون أن هذه المواقف قائمة على التقية والمداهنة وليست حقيقية، ولكن من يزور إيران يرى بأم عينيه الود الذي يظهره المسؤولون تجاه العرب والاحترام الذي يبديه قادة إيران للعرب والثقافة الإسلامية والعربية.

صحيح أن النظام الإسلامي في إيران ليس معصوما من الخطأ، ولكن على الكاتب المنصف أن يكون منصفا لا منحازا، وأن لا يتجاهل الواقع، وعندما يتحدث عن إيران عليه أن يأخذ الأوضاع من كل جوانبها بعين الاعتبار، وأن لا يكون متعصبا يطلق أحكاما مسبقة وكأنها أحكام منزلة. فقليلا من الإنصاف أيها الكتاب العرب.

*كاتب إيراني