الشعراء في إخوانياتهم

TT

حافظ إبراهيم شاعر اجتماعي اهتم بمعاناة أمته وتسجيل متاعبها. ومن يشغل نفسه بمتاعب الأمة العربية ومعاناتها يعاني ويقع فيها. السوداوية والمنخولية من المميزات التي نلمسها كثيرا في شعره. لم أطلع على أي دراسات نفسية علمية تحلل شخصية هذا الشاعر. لا أدري إن وجدت أو لا. ولا أريد أن أعاني في تقصي معاناته. بالطبع كان له الكثير مما يستوجب الهم والغم. فعلى نقيض كبار الشعراء عاش ومات في الفقر والنكران. انعكست هذه المشاعر السوداوية في ولعه بالعتاب، وهو باب مهم من أبواب الشعر والأدب العربي.

لا أحد منا يحب النفس السوداوية فنتحاشى من يتصف بها ونمل من شكايته وأشواكها. شعر شاعر النيل بذلك فانبرى يعاتبهم على هذا الهجر والقلى:

تناءيت عنكم فحلت عرى

وضاعت عهود على ما أرى

وقد زال ما كان من ألفة

كخيط الغزالة بعد النوى

كأن بقاء الوفا بينكـم

وبيني بقاء الحيــا

سكنت إليكم ولم تسكنوا

إلي، وقد كنت نعم الفتى

ونفسي فريقان هذا به

مزجت الوفاء وذاك الندى

أصبتم تراثا وألهاكم

التكاثر عنا فسـر العدا

ومن كان ينسيه إثراؤه

صديق الخصاصة لا يصطفى

كان من هؤلاء الذين انفضوا عنه الشيخ محمد عبده، فعاتبه بهذين البيتين على هجره:

لقد بت محسودا عليك لأنني

فتاك، وما غير المنعم يحسد

لا تبلغ الحساد مني شماتة

ففعلك محمود وأنت محمد

ويظهر أن من بين من شغلهم «التكاثر» محمد آخر هو محمد سليمان أباظة. فشكاه في قصيدة طويلة أقتطف منها هذه الأبيات، وفيها هذه المقاربة الدقيقة مع حمامة في الأسر ليلا:

أبيت أسأل نفسي كيف قاطعني

هذا الصديق وما لي عنه مصطبر

فما مطوقة قد نالها شـــــــرك

عند الغروب إليه ساقها القدر

باتت تجاهد هما وهي آيســـة

من النجاة وجنح الليل معتكر

وبات زغلولها في وكرها فزعا

مروعا لرجوع الأم ينتظـــر

يحفز الخوف أحشاءه وتزعجه

إذا سرت نسمة أو وسوس الشجر

مني بأسوأ حالا حين قاطعني

هذا الصديق فهلا كان يذّكر!

يا ابن الكرام أتنسى أنني رجل

لظل جاهك بعد الله مفتقـــــــر

إني فتاك فلا تقطع مواصلتي

هبني جنيت فقل لي كيف أعتذر

www.kishtainiat.blogspot.com