لعبة الانتظار مع إيران

TT

قد يصيبك التفكير بشأن السياسات الأميركية حيال إيران بالدوار هذه الأيام، لذا دعونا نجرب الاعتماد على تشبيه بسيط.. الرجل المشاغب في الحي جنح بسيارته إلى خارج الطريق وعلق بمصرف مياه. وعلى الرغم من محاولته تشغيل محرك السيارة لدفعها للتحرك، فإن محاولاته لا تجدي سوى مع دوران عجلات السيارة فحسب، من دون أن تتحرك من موضعها. إذن، ماذا ينبغي أن نفعل في مثل هذا الموقف؟

شخصيا، أفضل الانتظار حتى يهدأ تطاير الرذاذ، وأن يطلب السائق المغرور العون بنفسه قبل أن أمد إليه يد الإنقاذ. وإذا أراد أن تجره مقطورة، ينبغي أن يعرض في المقابل صفقة مغرية، بدءا من إطلاقه وعدا بالتوقف عن إرهاب أهل الحي.

أيضا، تنبعث من داخل السيارة ضوضاء وجلبة، ما يوحي باندلاع عراك.. ربما سيقدم شخص آخر ـ سائق أقل رعونة ـ على اضطلاع بمهمة قيادة السيارة، وربما سيتخلى أصدقاء السائق المغرور عنه. من الصعب التنبؤ بما سيحدث داخل السيارة، لذا ينبغي استدعاء الشرطة تحسبا لأي مستجدات.

إن ما أدعو لإقراره بالنسبة للسياسة الأميركية تجاه إيران نهج «الانتهازية الإبداعية»، بمعنى أنه ينبغي السعي لاستغلال مسألة أن غريمنا الأكبر داخل الشرق الأوسط مني لتوه بأزمة سياسية. من الواضح أن مخطط الرئيس محمود أحمدي نجاد لتزوير نتائج الانتخابات أتى بنتائج عكس ما كان يرجوه. وبالمثل، لم تثمر محاولة المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، إخماد التظاهرات سوى كشف النقاب عن ضعفه. والملاحظ أنه خلال الفوضى التي أعقبت الانتخابات، اندلع شجار حتى بين أحمدي نجاد وخامنئي.

إذا ما شجعت أزمة الشرعية تلك القادة الإيرانيين على الشروع في مفاوضات جادة بشأن كبح جماح برنامجهم النووي، فـ«أهلا وسهلا»، مثلما يقول العرب. ولا يسعنا القول حينئذ لهم سوى على الرحب والسعة، وعليكم أن تقدموا لنا عرضا. لكن إذا ما انشغل الإيرانيون تماما، وهو الاحتمال الأكبر، عن الدخول في مفاوضات جادة، عندئذ ينبغي أن نكتفي بالمشاهدة وانتظار ما ستتمخض عنه الأحداث، وأينما سنحت الفرصة، استغلال الموقف.

والتساؤل الأكبر الآن كيف يمكن للولايات المتحدة استغلال الفرصة التي ينطوي عليها الوضع الراهن؟ حسنا، دعونا نبدأ الحديث بتناول حليفي إيران، سورية و«حماس»، حيث نرى أن كلاهما يفتقر إلى صلات تقارب طبيعية مع طهران. من ناحية، نجد أن سورية الخاضعة لنظام عربي علماني ينظر إلى تحالفه مع رجال الدين الشيعة باعتباره أمرا يقوم على المصالح والمنفعة المتبادلة. وبالمثل، نجد أن قادة «حماس» ليسوا سوى أصوليين من السنة يعتبرون، من المنظور العقائدي، الملالي الإيرانيين مرتدين.

بالتأكيد، استفادت سورية و«حماس» من الثروات الإيرانية. لكن إمكانية الاعتماد على طهران كراعية باتت محل شك في الوقت الراهن، وربما تراود الرغبة أصدقاءها في حماية رهاناتهم. وعليه، أرى أن الوقت الراهن يشكل توقيتا مثاليا بالنسبة لواشنطن لاستكشاف البدائل، عبر تحقيق انفراجة دبلوماسية كبيرة مع دمشق، وإجراء اتصالات سرية (اعتمادا على قنوات سعودية ومصرية وسورية) مع «حماس».

بل إن حزب الله نفسه ربما يكون في وضع مناسب لعقد اتصالات هادئة به في أعقاب النكسة التي مني بها في انتخابات يونيو (حزيران) في لبنان. موجز القول إننا نمر، حاليا، بواحدة من اللحظات الحاسمة، كتلك التي أعقبت حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، عندما يمكن للجهود الدبلوماسية الجريئة تحقيق مكاسب كبرى.

لكن ما هي الفرص التي يمكن للغرب انتهازها؟ المؤكد أن السبيل الأمثل لإلحاق الضعف بالعناصر المتشددة داخل إيران هو تحقيق إنجاز على صعيد إقامة دولة فلسطينية، وبالتالي حرمانهم من بطاقتهم الآيديولوجية الرابحة. (والعكس الصحيح، بمعنى أن السبيل الأسرع لتعزيز أحمدي نجاد وحلفائه يتمثل في شن إسرائيل هجوما ضد إيران، ما من شأنه توحيد صفوف جبهتها الداخلية). وهناك أيضا بطاقة النفط، إذا ما وافق السعوديون على زيادة إنتاجهم، ودفع الأسعار نحو الانخفاض، ستواجه إيران أزمة اقتصادية ربما تجبرها على التغيير السياسي. أيضا، ينبغي أن يتميز حلفاؤنا بالإبداع في استغلال الفرص.

من جهته، قال الرئيس أوباما إنه يتعين على إيران الالتزام بالجدية حيال المفاوضات، وينبغي أن تستجيب بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) للخطوات التي اتخذها نحو الدخول معها في محادثات. وهذا أمر لا بأس به، لكن لا ينبغي أن يتمادى لأبعد من ذلك أو السماح للإيرانيين بالاستمرار في عدم تقديم إجابات على المقترح الذي عرضه المسؤول الأول عن السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، منذ شهور ماضية. إذا ما أراد الإيرانيون الدخول في محادثات فدعوهم، هم من يسعون وراء الغرب هذه المرة. وإذا لم يحدث ذلك، ينبغي أن يمارس أوباما الضغوط من أجل فرض عقوبات أكثر صرامة من شأنها تعميق الأزمة الإيرانية.

يدور حديث على نطاق واسع هذه الأيام حول أهمية الوقت. لكن الحقيقة أن عامل الوقت يعمل ضد النظام الإيراني، فمع كل يوم يمر، تتفاقم حدة التناقضات السياسية الداخلية في طهران.

والملاحظ أن محاولات آية الله خامنئي لإعادة الشظايا إلى مكانها لم تفلح. ومن بين من يتنافسون سعيا لتولي قيادة البلاد، مير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق، وزعيم المعارضة، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق، الذي بمقدوره الاضطلاع بدور توحيد صفوف النظام، علي لاريجاني، رئيس البرلمان، ومحسن رضائي، الرئيس السابق للحرس الثوري، ومحمد باغر غاليباف، عمدة طهران، ذو الشخصية الكاريزمية. وقد أبدوا جميعا عدم رضائهم إزاء أحمدي نجاد، والإجراءات الصارمة التي جرى اتخاذها في أعقاب الانتخابات.

ولا تزال إيران تمر بفترة انتقالية، يسودها الاضطراب، باتجاه مرحلة لم تتضح معالمها بعد. وسيكون من الخطأ أن تتدخل واشنطن نيابة عن المعارضة، لكن الخطأ الأكبر سيكون، بالتأكيد، تقديم النجدة إلى النظام الإيراني قبل أن يوافق على التصرف على نحو ينطوي بدرجة أكبر على الشعور بالمسؤولية. وبالنسبة لمن ينتهج توجها انتهازيا إبداعيا، تعد الفترة الحالية فرصة ذهبية.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط