هل تطبق إسرائيل نظريتها الأمنية وقد أصبحت إيران كتابا مفتوحا؟

TT

مع تفاوت لهجة التلويح الإسرائيلي بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وتهديدات قادة الباسداران المتكررة، بمناسبة ومن دونها برد «تدميري»، تسعى القوات الجوية الإسرائيلية إلى شراء عدة أسراب من طائرات الشبح المتطورة من طراز F35 لتكون بديلا متطورا لطائرات الضربة الحالية، التي تعتمد أساسا على طائرات F15 وF16، التي شنت غارة مدمرة على مفاعل تموز العراقي عام 1981.

ولا تزال نظرية الأمن الإسرائيلي قائمة على عناصر أساسية تبدأ بقدرة الردع النووي، والاحتفاظ بتفوق جوي ساحق، والإبقاء على قوات مدرعة متقدمة تقنيا، والتأكيد على نفوذ استخباري فعال، ومنع الآخرين من امتلاك سلاح نووي.

وبمرور الوقت، ونتيجة تبني العرب السلام خيارا استراتيجيا، لم تعد القوات المدرعة موضع اهتمام حاسم، فالقوات العاملة كافية لمعالجة المتطلبات ولا ضرورة لإدخال تحديثات كبيرة على قوات الاحتياط، اقتصادا بالجهد والقوى البشرية والمالية. فيما تبقى القوة الجوية موضع اهتمام، وتشكل الطائرات المطلوبة طفرة مهمة في قدرة الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية البعيدة، وحتى العمق المطلوب لخط المواقع الحساسة وسط إيران. ولكن من غير المنطقي الربط بين هذه الطائرات وما يروج عن خطط إسرائيلية في توجيه ضربات إلى أهداف إيرانية، لأن دخول الطائرات الخدمة سيكون متأخرا قياسا إلى تخمين المدة اللازمة لتصنيع سلاح نووي، إلا إذا قرر الأميركيون تسليم عدد منها خلال فترة قصيرة.

وبعد ظهور تهديد الصواريخ أرض ـ أرض، عملت إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة على تطوير منظومة السهم للدفاع الصاروخي، أو بالاستعانة بمنظومات باتريوت كجزء من فلسفة الدفاع الصاروخي الأميركي، وهو إجراء مفيد إلا أنه ليس كافيا لحماية الأهداف المدنية على مستوى صراع مفتوح، نظرا لقدرة القوات الإيرانية على إطلاق عدة صواريخ في آن واحد، إلا أن الحديث عن قدرة إيران على تدمير المفاعلات النووية الإسرائيلية يبقى بعيدا عن الواقع العملي، بسبب تخلف تقنية صواريخ شهاب التي لا يمكنها تحقيق إصابات دقيقة أو قريبة إلى الدقة، لأنها ليست مجهزة بمعدات توجيه إلكتروني. وبما أن المواقع النووية محصنة تحصينا محكما فإن وقوع عشرات الصواريخ على مسافات قريبة منها لا يؤدي إلى إصابتها بأضرار.

وهنالك من يعتقد أن ما يمكن أن تحدثه ضربات نووية إيرانية في إسرائيل سيكون مدمرا إلى درجة تجعل الرد النووي الإسرائيلي غير ممكن بسبب رقعتها الجغرافية المحدودة. وتبدو المعادلة صحيحة، نوعا ما، لولا وجود غواصات إسرائيلية يستحيل القبول بمعلومات تشكك في قدرتها على إطلاق صواريخ بعيدة المدى ومجهزة برؤوس نووية. وعندئذ تكون القدرة التدميرية الإسرائيلية أشد فتكا إذا ما عُلم أنها تمتلك مئات الرؤوس والقنابل النووية. وأذكر إنه في العام 1976، وفي أثناء استقباله عددا من الضباط من طلبة كلية الأركان العراقية، شرح وزير الدفاع المصري الفريق الجمصي بروح معنوية عالية، آلية حرب أكتوبر، وتطرق إلى امتلاك إسرائيل نحو (200) سلاح نووي. لذلك فالحديث عن تهديدات متكررة من قبل قادة الباسداران يبقى جزءا من النشاط الدعائي والنفسي لا أكثر.

على هامش الحديث، اتصل بي مواطن خليجي، قال: متى نسمع هدير الطائرات وأزيز الصواريخ لتريحنا من المشاريع الإيرانية؟ فقلت إن من الأفضل التركيز على ما يجري في شوارع طهران والاستماع إلى شعارات التكبير والاحتجاجات. فهي مفتاح التغيير الذي سيقود في نهاية المطاف إلى نظام ديموقراطي متعدد، تغيب وسطه قدرة المتشددين على اتخاذ وتسويق قرارات عدائية أو استفزازية، (أو) أن يتغير شكل الدولة الإيرانية إلى الأبد وينحصر في بقعة على صحراوَيْ لوط ودشت كوير وأطرافهما. وسيكتب التاريخ أن النمط الحاكم في إيران لا يصلح لقيادة دولة. أما الضربات الجوية والصاروخية فلا تقدم حلولا لوجع الرأس الإيراني، إلا إذا نظرت إليها جموع المحتجين كحالة إخلال بتوازن القوى يحوّل دوامات الريح إلى إعصار.

ما قيل عن أن زيارة وزير الدفاع الأخيرة لإسرائيل استهدفت طمأنة قادتها بجدية واشنطن بمنع إيران من تصنيع سلاح نووي، والاطمئنان إلى عدم قيام إسرائيل بعملية مفاجئة، يبدو معقولا. ومع أنه لا شك في جلوس القادة الإسرائيليين على صفيح ساخن، فإن المعضلة الإيرانية أصبحت دولية، وأشك في أنهم سيتخذون قرارا كهذا.

نظام يمنع شعوبه من التواصل مع الإعلام الحر، وتهزه قناة فضائية ومحطة إذاعية وصحيفة محايدة، لا مكان له تحت الشمس. وها هم اليوم في طهران يسجلون بقوائم الممنوعات رقما قياسيا. مع ذلك، إذا كانت النوايا الإيرانية تُقرأ ككتاب مفتوح من قِبل أجهزة المخابرات، فقد تحولت إيران كلها إلى كتاب مفتوح، وتحوّل كل شاب وشابة من المحتجين إلى مصدر توضيح، فهذا هو زمن العولمة التي عجز المتحجرون عن فهمها.