الإصلاح الصحي على طريقة يوتا

TT

لا يبدو اختيار الرئيس الأميركي باراك أوباما جون هانتسمان حاكم ولاية يوتا كسفير للصين بشكل ما قرارا صائبا. وقد وعد السفير المنتظر لجنة مجلس الشيوخ بأنه سيحاول نشر القيم الأميركية في الصين إذا ما تمت الموافقة على تعيينه، وربما يكون من الأفضل أن تتبنى إدارة أوباما قيم هانتسمان لإصلاح الرعاية الصحية هنا في الولايات المتحدة.

حيث أشرف هانتسمان كحاكم لولاية يوتا على الخطة الشاملة لنظام الرعاية الصحية في ولاية يوتا والتي يمكن أن تصبح نموذجا لمقاربة أكثر عقلانية للإصلاح القومي. ولكن أوباما استطاع في ضربة قاضية الحد من نفوذ واحد من أكثر الجمهوريين المؤهلين لتحدي نظامه لإصلاح الرعاية الصحية، بالإضافة إلى كونه أحد المرشحين لقيادة انقلاب الجمهوريين في عام 2012، ولم يقل أحد أبدا إن الرئيس قد «تصرف بغباء»، فألاس هانتسمان الذي يجيد التحدث بلغة الماندرين الصينية كان أكثر ملاءمة لذلك المنصب، ولكن، تلك هي الحرب. وربما يتوجب علينا أن نلقي نظرة على ما الذي يمكن أن يتركه هانتسمان ـ مع العلم بأن خطة الرعاية الصحية المقترحة لن تكون لديها فرصة في النجاة ـ خلفه في حال ذهابه إلى الصين.

فبدلا من تقسيم نظام الرعاية الصحية في ولاية يوتا، ركز هانتسمان جهوده على القضايا المركزية ووضع آليات لمعالجتها. يا لها من فكرة عظيمة.

نتمنى أن تتم دراسة خطة هانتسمان التي تتسم بالثورية ـ والتي كان من المقرر أن يتم تفعيلها في الخريف القادم ـ في احترامها للسلوك البشري الرشيد بعناية. (وللعلم، لن يتم العمل بخطة أوباما قبل عام 2013 وذلك في حال كانت لديك نية لإجراء عملية المرارة. ويمكنك في تلك الحالة أن تجريها بمستشفى فلورانس نايتينغيل في اسطنبول).

وتتشابه المشكلات التي ابتليت بها ولاية يوتا المشكلات التي ابتلينا بها جميعا على المستوى القومي. ولكن بخلاف واشنطن، كانت يوتا تسعى إلى وضع حلول عملية وجمعية للمشكلات الحقيقية بدلا من وضع خطة بعيدة المنال تمنح المزيد من السلطات لحكومتنا.

فمثلا كانت مشكلة ذوي الدخول المنخفضة الذين يعملون في شركات صغيرة بدون تأمين صحي من المشكلات الأكثر إلحاحا على المستويين المحلي والقومي. ومع ذلك، استطاعت يوتا خلق حل يركز على توفير فرص تأمينية تتلاءم معهم، وتترك جانبا هؤلاء الذين لديهم بالفعل تأمين صحي ملائم. ويُطرح ذلك الحل الخيار أمام المستهلك اعتمادا على شفافية الأسعار وليس على قوانين الحكومة وقدرتها على السيطرة.

ويقدم أحد تلك الإصلاحات «بوليصة تأمين محمولة»، وهي عبارة عن سياسة تأمينية جديدة تمكن الموظف من أن يأخذ تلك البوليصة معه عندما يترك وظيفته أو ينتقل إلى وظيفة جديدة، ويسدد الموظف تلك البوليصة بالدولارات قبل خصم الضريبة. كما يمكن أن يختار العملاء في يوتا البرنامج التأميني الذي يلائم ظروفهم مع مراعاة التكلفة وقدر الربح المطلوب. ولكي تسهم في التسهيل، أنشأت الولاية موقعا إلكترونيا يستطيع من خلاله العملاء مقارنة السياسات والأسعار والتمويل والاشتراك إلكترونيا، وجميع تلك الخدمات في مكان واحد.

وليس مفاجئا أن خطة يوتا جاءت بعد شهور من البحث، وتوفيق الآراء، والاجتماعات بين المشرعين والشركات التي تقدم خدمات الرعاية الصحية وشركات التأمين وبعض رجال الأعمال وأفراد المجتمع. فلم يحدث الأمر في غمضة عين، وبمعنى آخر لم تنته العملية بعد. فقد تم حل المشكلات باستخدام أفضل مبادئ السوق الحرة، بينما سيتم التعامل مع البعض الآخر أثناء تطبيق الخطة.

وكل ذلك لنقول إن قضية الرعاية الصحية قضية معقدة، وإن الإصلاح يحتاج إلى وقت. ومثل أوباما، اعترف هانتسمان بالحالة المروعة لنظام الرعاية الصحية في ولايته، وأعلن في عام 2005 أن السكوت على ذلك الوضع ليس خيارا متاحا. وعلى الرغم من أن كلا من أوباما وهانتسمان يشتركان في الهدف نفسه، فقد اتخذ كل منهما توجها مختلفا تماما. وتخلو خطة يوتا من سياسة التسرع التي انتهجتها إدارة أوباما. فإذا كانت الخطة بهذا الإحكام فلِمَ العجلة؟

لقد تلقى مجلس النواب مشروع القانون في منتصف يوليو (تموز)، وكان أوباما يريد الاقتراع قبل العطلة في أغسطس (آب). فإذا كانت تلك الخطة محكمة إلى هذا الحد، فلماذا لا يمنح الناس الوقت الكافي لقراءة الخطة بعناية وطرحها للمناقشة العلنية؟ وقد أبدى أوباما موافقة متحفظة على قرار مجلس الشيوخ بتأجيل مشروع القانون حتى الخريف المقبل لكي يتأكد من أنه محكم تماما. وقال أوباما إنه يتمنى ألا يكون التأجيل هو مجرد خطوة تكتيكية لوأد إصلاح الرعاية الصحية.

وبالطبع فإن السياسة هي السبب الحقيقي وراء تلك العجلة، ولكن ذلك ليس عذرا عندما يكون هناك الكثير على المحك. كما أن حجة أن الجمهوريون اتخذوا خطوات بطيئة، أو بصراحة أكثر خطوات تتسلم باللامبالاة في إنتاج بدائلهم الخاصة، ليست عذرا كذلك لتجاهل الأفكار الجيدة.

وإذا ما قورن المشروع بالأفكار التي تدور في الكونغرس، فإن مشروع الإصلاح الذي دعمه الحزبان في يوتا يبدو حالما تماما؛ وبسيطا وملائما تماما للمستهلك، فقد تم تصميمه وفقا لفكرة أن المواطن الأميركي قادر على اتخاذ القرارات الملائمة له، بينما تفترض خطة أوباما أن الحكومة فقط هي التي تستطيع حل المشكلة.

وبالطبع، للحكومة دور مهم، ولكن هانتسمان وفريقه أوضحوا أن أفضل دور تقوم به الحكومة هو خلق آليات تمكن الناس من مساعدة أنفسهم.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»