ما الخطأ الذي حدث في إيران؟

TT

عشية الثورة في إيران في عامي 1978 و1979، كان هناك شعار وطني يقول: «يسقط الشاه». وفي هذه الأيام، اختار الإيرانيون شعارا جديدا وهو: «يسقط الديكتاتور».

والسؤال هو: ما الاختلاف بين الشعارين وبين هاتين الحقبتين؟ وهل يعني ذلك أن الشاه قد ذهب ولكن بقي الديكتاتور؟

يبدو بالنسبة لي أن هناك تاريخا طويلا من القمع في الدول الشرقية، وتاريخنا وأعمالنا الأدبية تزخر بالأنظمة الاستبدادية.

وفي هذا المقال، أود التركيز على أحد أبعاد النظم الديكتاتورية، حيث تحتاج الديكتاتورية إلى تزيين وجهها، وإلى تبرير سلوكها وأسلوبها. والكذب هو السلاح الأكبر للنظم الديكتاتورية في التاريخ. ومن يمكن أن ينسى الدور الذي لعبه غوبلز في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية؟

راجع هتلر استخدام الدعاية الكاذبة خلال الحرب العالمية الأولى في الفصل السادس من كتابه «كفاحي». وفي معرض نقده للجهد الألماني، أدرج تعليقات عن دور الدعاية بصورة عامة. ويعرض كلامه نظرة متعمقة في الوسائل التي استخدمها الحزب النازي. وشرح هتلر بصراحة آراءه في الدعاية: «يكمن فن الدعاية في فهم الأفكار العاطفية للقطاع العريض من الشعب، وفي العثور على الطريق الذي يوصل إلى اهتمام ومن ثم قلوب القطاع العريض، وذلك عن طريق نمط صحيح من الناحية السيكولوجية. وتظهر حقيقة أن أولادنا الأذكياء لا يفهمون ذلك كيف أنهم مخدوعون وكسالى من الناحية العقلية. وتعد استجابة القطاع العريض من الشعب محدودة جدا، وذكاؤهم ضحلا. ولكن قدرتهم على النسيان كبيرة. وفي تتبع هذه الحقائق، فإن جميع الدعاية الفعالة يجب أن تكون محصورة على نقاط قليلة جدا، ويجب أن تعزف على قيثارة هذه الشعارات حتى يفهم آخر فرد من الشعب ما تريد منه أن يفهمه من شعارك. وبمجرد أن تضحي بهذا الشعار وتحاول أن تكون متعدد الجوانب فإن الأثر يضيع سدى لأن الجمهور لن يمكنه هضم المادة المعروضة أو الإبقاء عليها. وبهذه الطريقة تضعف النتيجة، وفي النهاية تلغى تماما. ولذا نرى أنه يجب أن تتبع الدعاية نهجا بسيطا، وعليه فإن الوسائل الأساسية يجب أن تكون سليمة من الناحية النفسية».

ويشار إلى أن غوبلز حصل على دكتوراه من جامعة هيدلبرغ في 1921، وكتب بحثا عن رومانسية القرن الثامن عشر. وكان هو مهندس الدعاية لهتلر!

وفي هذه الأيام داخل إيران نشهد نمطا مختلفا من الدعاية، فالحكومة تستخدم الإذاعة والتلفزيون الوطنيين اللذين يداران تحت رعاية آية الله خامنئي للإشارة بصورة مستمرة إلى الإصلاحيين على أنهم عملاء الولايات المتحدة والغرب، وأنهم يحصلون على دعم من إسرائيل، وأن الإصلاحيين ينظمون لثورة مخملية ضد النظام. ويحافظون على تكرار هذا النوع من الدعاية في التلفزيون والإذاعة وفي صحف حكومية مثل «كيهان». وهذه هي التعاليم الحقيقية لجوزيف غوبلز، الذي كان يعتقد أنه: «إذا قلت كذبة كبيرة وظللت تكررها فإن الناس سوف يؤمنون بها في النهاية. ويمكن الإبقاء على الكذبة فقط للمدة التي تمكن الدولة من حماية الناس من التبعات السياسية والاقتصادية والعسكرية للكذبة. وبهذا يكون من المهم للدولة أن تستخدم جميع قواتها من أجل قمع المعارضة، حيث إن الحقيقة هي العدو اللدود للكذب، ولذا فإن الحقيقية هي العدو الأكبر للدولة».

واعتمادا على وسائل الإعلام الحكومية، فإن أحمدي نجاد رئيس معادٍ لإسرائيل، وفي الناحية الأخرى فإن مير حسين موسوي ومناصريه مع إسرائيل. أتذكر جيدا أنه عندما قتل فورهار، وزوجته، وبعض الروائيين والشعراء الإيرانيين على يد القوات الأمنية، أعلن آية الله خامنئي في خطبة الجمعة أنهم قتلوا على يد عملاء إسرائيليين. وبعد التحقيق نشرت وزارة الاستخبارات إعلانا يعترف بأن طاقمها مسؤول عن عمليات القتل هذه.

ولا أريد القول بأن إسرائيل ليست ضد أحمدي نجاد وحسب، ولكن أريد القول بأن إسرائيل راضية بدرجة كبيرة عن أحمدي نجاد. وربما تسأل لماذا تكون إسرائيل راضية عن أحمدي نجاد، فأحمدي نجاد يؤمن بأنه يجب إزالة إسرائيل من خارطة العالم، كما أنه ضد المحرقة؟

في الشهر الماضي كتب جيل رونين مقالا مهما جدا في صحيفة إسرائيلية تدعى «أروتز شيفا». ونُشر المقال في 23 يونيو (حزيران) 2009. «قال مدير الموساد مائير داغان للجنة الدفاع والشؤون الخارجية بالكنيست الأسبوع الماضي إنه لو كان المرشح الإصلاحي موسوي قد فاز، لكانت ستصبح أمام إسرائيل مشكلة أكبر لأنها كانت ستضطر لتوضيح الخطر الإيراني للعالم».

فعندما كان موسوي رئيسا للوزراء في نهاية الثمانينات، كان من ضمن من دشنوا البرنامج النووي العسكري الإيراني، حسب ما قاله المحلل المخضرم رون بين يشعي في مقال نشر أخيرا على موقع «يديعوت أحرونوت» العبري. «كان هو الشخص الذي بدأ برنامجا سريا للحصول على معدات ومعلومات خاصة بإنتاج الأسلحة النووية من العالم الباكستاني عبد القادر خان». وعلاوة على ذلك، أكد موسوي في عشية الانتخابات أنه حال انتخابه رئيسا فإنه سوف يستأنف البرنامج النووي الإيراني، ويعني بذلك أن انتخابه لا يحتمل أن يدفع إيران إلى التخلي عن طموحاتها النووية العسكرية.

وعلى الجانب الآخر، فإن أحمدي نجاد يعد «ركيزة دبلوماسية للغرب بصورة عامة وإسرائيل بصورة خاصة. فتعصبه الشيعي ورفضه للهولوكوست كان مصدر رعب داخل الدول العربية والغربية، وساعد على بناء جبهة عالمية معادية لإيران».

ويوافق على ذلك أفرايم عنبار، مدير مركز «بيغن السادات» في جامعة بار إيلان: «لا يعني وصف موسوي بأنه معتدل أو إصلاحي أنه شخص جيد، فقد أقرته القيادة الإسلامية»، حسب ما قاله لـ«سي بي إس نيوز». «إذا كان لدينا أحمدي نجاد فنحن نعرف أين نقف، وإذا كان لدينا موسوي، فلدينا ثعبان في صورة لطيفة».

وأعتقد أنه في الوقت الحالي تريد إسرائيل بصورة ملحة عدوا مثل أحمدي نجاد ليخلق الفرصة المثلى لها. إنهم يريدون شيئا مثل خطاب أحمدي نجاد في سويسرا، والذي أهدى فيه ثروة ذهبية لإسرائيل. لقد حضر أحمدي نجاد مؤتمر الأمم المتحدة عن العنصرية في جنيف، ولكنه كان السبب الرئيسي وراء إصدار المؤتمر بيانا يدعم إسرائيل.

وأعتقد أن الإيرانيين يعرفون أن الدعاية المعادية لإسرائيل كذبة كبرى، من أجل تبرير التلاعب الذي وقع في الانتخابات الأخيرة. وبسبب ذلك، يهتف عدد كبير من الإيرانيين كل ليلة: «يسقط الديكتاتور».