الكارهون لبلادهم!

TT

موعد وراء موعد، وعد تلو الثاني، تاريخ بعد تاريخ ويبقى لبنان للآن من دون حكومة ولا وزراء، كما كان من المفترض أن يحدث بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية وظهور النتائج. ولكن ها هو الوضع يبقى غارقا في أوحال الطائفية بامتياز، وتظل مصلحة الطائفة قبل مصلحة الوطن والشعب وأهم منها.

للآن يجادل الفريق «الخاسر» في الانتخابات حول «حقوقه» و«حصصه» في التشكيلة الحكومية المنتظرة، وذلك بشكل استفزازي، مقدما للعالم أغرب وأعجب تفسير للممارسة الديمقراطية والمصنوعة حصريا في لبنان. ولأجل هذا «التفسير» الأناني القاصر يبقى البلد معلقا، وقرار الحسم مؤجلا، كاشفا سلسلة غير بسيطة من الثغرات في الأنظمة والقوانين الدستورية في لبنان والتي تجعل من مسألة قيام دولة مدنية ودستورية حقيقية مسألة أقرب للخيال في ظل استمرار تلك الثغرات (ولبنان لن تقوم له قائمة سياسية حقيقية من دون دستور جاد يغطي كافة النقاط بشكل نظامي، ويكون تركيزه على المساواة والعدل والمناصفة في الحقوق).

وطبعا لا يكون لبنان لبنان من دون مشاهد التقلب السياسي للزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي ينقلب «علانية» الآن على تيار المستقبل و«14 آذار» ليواصل زحفه باتجاه حزب الله ودمشق ومغازلتهما علانية. شخصيا لم يعد من المهم معرفة سبب إقدام وليد جنبلاط على موقفه الأخير هذا، لأن واقع الأمر يقول إنه إذا لم يتغير ويتقلب فلن يكون وليد جنبلاط!

وهناك حراك مثير للاهتمام في الأوساط المسيحية القلقة. فها هي الكتائب، الميليشيا القديمة والحزب السياسي الحالي، ممثلة في رمزها آل الجميل تتقابل مع سليمان فرنجية زعيم تيار المردة في محاولة لطمأنة المسيحيين على علاقاتهم البينية، ويبقى اللقاء الأصعب مؤجلا حتى إشعار آخر، وهو اللقاء بين زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع وسليمان فرنجية أيضا، لأن سمير جعجع كان هو المتهم بالمسؤولية عن مذبحة أهدن كما عرفت لاحقا والتي أدت إلى مقتل والد سليمان فرنجية وأخيه. وطبعا هناك العماد ميشال عون المهووس بتوزير صهره جبران باسيل الذي مني بخسارة فادحة في الانتخابات النيابية الأخيرة. وعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قالها صريحة إنه يرفض توزير من خسروا الانتخابات باعتبار أن ذلك لا يعكس أبدا رغبة الناخبين، فإن ميشال عون كعادته «ركب رأسه»، وعاند الكل وأصر على رأيه، وهو من أهم أسباب تعطيل التشكيل الحكومي المنتظر.

لبنان لا يزال أسير ساسته، وناخبو هؤلاء الساسة يشاركونهم في الجرم. فاختيار هذه القيادات سيجلب معها هكذا وضع، وهو وضع لا يمكن تفسيره إلا بأنه تمثيل وتجسيد حقيقي لأناس لا يحبون بلادهم.

[email protected]