حوار مع جنبلاط

TT

منطقتنا كصخرة في صحراء، مهما غبت عنها فإنك تعود وتجدها في مكانها، إلا إذا طالتها عوامل التعرية. فبعد إجازة جيدة، والحمد لله، نعود إلى حيث وقفنا، أي لبنان، وليس في نقطة تقدمية، بل عودة إلى الخلف.

فقد أعلن وليد جنبلاط نهاية تحالفه مع «14 آذار»، والسؤال ليس لماذا انقلب جنبلاط على حلفائه، بل لماذا تأخر؟ فكل المؤشرات كانت تقول إن جنبلاط قد أعطى حلفاءه إشعارا بالإخلاء، منذ فترة، وتحديدا منذ اجتماع الدوحة. ولأن المرء مؤتمن، وليس كل ما يعلم يقال، أكتفي بالقول إن جنبلاط كان المنطقة الرخوة في تلك المفاوضات، وحلفاؤه كانوا يئنون من مواقفه، لكنهم لم يستعدوا لانقلاب كان قادما لا محالة.

وحينما كتبت مقالا بعنوان «هل ينقذ جنبلاط نصر الله» في 31 مايو الماضي، تعليقا على مواقف وليد بيك حول اتهام مجلة «دير شبيغل» الألمانية لحزب الله بأنه خلف اغتيال الحريري، اتصل بي جنبلاط قائلا: «لا أريد إنقاذ نصر الله، وإنما إنقاذ لبنان كله من فتنة طائفية كبرى».

أول من أمس اتصلت بوليد بيك وسألته: لماذا كان التحالف مع «14 آذار» بحكم الضرورة؟ جاءت إجاباته مفاجئة، إذ قال: «إن اغتيال رفيق الحريري، والآخرين، ولكن بدرجة أقل، عجل بخروج السوريين من لبنان». وأضاف يقول: «لاحقا جاءت ثورة الأرز، وتدخل الأميركي على الخط، وتحديدا جورج بوش، بعد ذلك جاء التدخل السعودي والفرنسي والعربي، وأعطانا العلاقات الدبلوماسية مع سورية»، وبالتالي، وبحسب جنبلاط، فإن أمرين قد تحققا، وهما الحرية والسيادة. إلا أنه استدرك قائلا: «تبقى قضية مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وهي قضية مختلفة»، مضيفا أن الأمر الآخر هو «سلاح حزب الله، وهذا أمر لا يحل إلا بالحوار».

هل هذا مقنع؟ بالطبع لا، خصوصا وحسب ما قاله لي مسؤول عربي، فإن جنبلاط قفز قبل تشكيل الحكومة اللبنانية!

يقول جنبلاط: «يا أخي، لقد باتت هناك داخل الدروز لغة مختلفة تقول إنه ليس لفلسطين قيمة، وأنا من الحزب الاشتراكي، وتربيت على كمال جنبلاط، وجمال عبد الناصر، والعروبة، ولا مجال للدروز إلا الوطن العربي الكبير»! ويضيف أن «الأحزاب اليسارية كلها انهارت تقريبا.. وأنا توجهت إلى اليسار بالحد الأدنى للحفاظ على عروبة الدروز والقضية الفلسطينية».

سألته: «أعذرني على جهلي، بدلت تحالفك فقط من أجل القضية الفلسطينية؟».

وهذا أمر غريب حيث يبدو جنبلاط كمن يحج والناس عائدون، فماذا عن بلده لبنان؟ رد جنبلاط: «تستطيع أن تقول إن حديثي هذا outdated»، أي حديث قديم، بحسب ما قاله حرفيا. والسؤال هنا: هل كلام جنبلاط مقنع؟

بالطبع لا! فقراءة الأحداث تقول إن ما دفع جنبلاط لتغيير موقفه هو الحديث عن أن سعد الحريري قد يقوم بزيارة لسورية بعد تشكيل الحكومة. جنبلاط لا يريد الذهاب إلى دمشق بمعية رئيس الوزراء، وبالتالي تنخفض قيمة الورقة السياسية التي بيده، سواء داخل طائفته الدرزية، أو في بورصة دمشق السياسية.

ولذا يبدو أن جنبلاط قرر أن يكون هو في استقبال رئيس وزراء لبنان عندما يصل إلى مطار دمشق، لا بمعيته. وهذه هي كل الحكاية.

[email protected]