لبنان: من انقلب على من؟

TT

من مأثور القول، التمس لأخيك ألف عذر. إخوة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط هنا هم شركاؤه في الحركة السياسية التاريخية، حركة 14 آذار. ولأنه انشق عليهم قبل أيام ساد شعور حياله يتهمه تقريبا بالخيانة، مع أن التنقلات من طبائع الساسة وينبغي أن لا تفاجئ أحدا. هنا، على رفاقه أن يفكروا جيدا قبل أن يرجموه بالتهم، فالرجل كان عمودا أساسيا في حركتهم، ورجمه يعني رجم خمس سنوات مهمة وتشويهها، أيضا «لعل له عذرا وأنت تلوم». ويجب أن يشكروا جنبلاط لأنه كان أمضى أسلحة التيار الذي غير الساحة اللبنانية إلى الأبد. وعليهم أن ينظروا إلى خروج جنبلاط باستراحة المتقاعد، وقبول الطرف الآخر به عمليا أقل قيمة فهو مثل انشقاق جنرال عسكري بعد نهاية الحرب. صدقوني الحرب اللبنانية عمليا انتهت.

ولا عتب على جنبلاط أن خرج من الائتلاف، ففي السياسة فارق كبير بين «أخوّة الحزب» و«شراكة الائتلاف». حركة 14 آذار هي ائتلاف وليست حزبا، أعضاؤها يمثلون عدة أحزاب. وبالتالي، وككل الائتلافات في العالم، تتغير بحسب الظروف المحيطة، والمحيط يمر بتغييرات مهمة على كل الأصعدة. لبنان اليوم لم يعد لبنان 2005، ومن الطبيعي أن تتفكك التحالفات. ومن يسمع خلافات الفرقاء حول تشكيل الحكومة المقبلة يرَها على مقاعد خدمية، ومصالح محلية، ولم تعد على قضايا استراتيجية.

وأنا، مثل كثيرين، لم أقتنع بمبررات جنبلاط في انشقاقه مدعيا خوفه من مستقبل مواجهات سنية شيعية. فهو زعيم لا ينازع للدروز وصاحب القرار بالبقاء خارج حلبة أي معركة، والجميع يشهد أن المجتمع الدرزي أكثر الفئات اللبنانية منعة من الخارج وتماسكا من الداخل. لكن جنبلاط شاء أن يلعب سياسة، لعبة المحاور السريعة التقلب والمصالح.

حركة 14 آذار أُسست لأهداف معلنة معظمها تحقق، من خروج سورية من لبنان، وتأسيس لجنة تحقيق دولية، وإقامة محكمة لقتلة الحريري في الخارج، وبتنا على أعتاب فصل إقليمي جديد. الانتقال والتغيير حدثا فعليا في المعسكر الآخر. فسورية، العمود الأساسي في الحركة المضادة 8 آذار، انتقلت خطوات كبيرة بعيدا عما كانت عليه قبل خمس سنوات. هي تسعى الآن للتقارب مع واشنطن، حليف معسكر 14 آذار. وتريد أيضا الانخراط في التفاوض مع الإسرائيليين، الذريعة المستخدمة دائما في مواجهة الخصوم في لبنان، من حمل السلاح إلى دعم حزب الله وتوظيف مواقف الدولة الخارجية. باقتراب دمشق من الرياض وواشنطن تكون أنهت الخصومة الرئيسية. سورية اقتربت خطوات جيدة من 14 آذار وليس جنبلاط الذي خرج بعيدا. كما أنه يجب أن يقال ليس مهمًّا انتقال أي حليف في أي فريق لأن القضايا الأساسية حُسمت، ولا يهم كيف تنتهي المحكمة عليه لأنها صارت خارج الأراضي اللبنانية. إضافة إلى أن التنقلات ليست غريبة بسبب تعدد الأقطاب وتنافرها، فالجنرال عون فاجأ الجميع بتحالفه مع محور دمشق بعد أن كان يحاربها 15 عاما متواصلة. ومع أن الثوابت في السياسة اللبنانية نادرة فإن استمرار وصمود حركة 14 آذار طويلا كتيار شعبي يمثل أطيافا متعددة، هو أمر مثير خصوصا أنه التيار المهدد كل يوم بالقتل والملاحقة.

[email protected]