الأستاذ والغيظ

TT

إذا كان العرق هو المسألة الوحيدة، لما أثارت تلك القصة البغيضة لخلاف أستاذ جامعة هارفارد هنري لويس غيتس مع نظام العدالة الجنائي كل تلك الضجة، فعلى كل حال، ليست هذه هي المرة الأولى التي يحتجز فيها ضابط أبيض رجلا أسود بدون وجه حق؛ حيث يدور هذا الجدال ـ الأقرب لكونه مباراة في الصراخ ـ في الحقيقة حول السلطة والتمييز.

وتمثل تلك القضية نقطة تحول أساسية. فمنذ النصر الذي حققته حركة الحقوق المدنية، تمكنت الأقليات من ارتقاء سلم السياسة والمال والمجالات الأكاديمية وكل المجالات الأخرى. ولكن لم تتمكن مجموعة كبيرة من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية والأصول اللاتينية من اختراق النخبة قليلة العدد التي تمارس السلطة الحقيقية إلا في العقد الماضي فقط.

وبالطبع أنا أتحدث عن الرئيس أوباما وكذلك ريتشارد بارسونس رئيس سيتي غروب، والقطب الإعلامي أوبرا وينفري، ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس والمرشحة لمنصب رئيس المحكمة العليا سونيا سوتومايور وغيرهم، وهم عدد كبير من الأقليات الذين استطاعوا الوصول إلى شكل من أشكال السلطة الحقيقية التي كان يحتكرها البيض.

وتبدأ القائمة في المجال الأكاديمي بغيتس؛ فهو نجم بارز، وأحد الأعضاء المشاهير والبارزين في إحدى كليات أكثر الجامعات الأميركية أهمية.

وقبل عدة سنوات، عندما أعلن غيتس عن مغادرته، بذلت الجامعة النفيس والغالي لكي تبقيه. وقد وقعت الحادثة التي أدت إلى اعتقاله أثناء عودته من المطار بعد رحلته إلى الصين التي كان يصور خلالها أحدث الأفلام التسجيلية التي تدور حوله لصالح شبكة «البي بي إس»، وقد ذهب غيتس بعد تلك المواجهة المأساوية إلى حديقة مارثا لكي يتعافى؛ فتلك هي الطريقة التي يفكر بها الرجل.

ربما لم يكن اختيار أوباما للكلمات اختيارا سياسيا، ولكنه في الحقيقة كان يقرر الواقع عندما وصف سلوك الشرطي «بالغباء».

يبلغ طول غيتس، 58 عاما، من 5 إلى 7 أقدام ويزن حوالي 150 باوند، لديه إعاقة تجعله يسير متكئا على عصا. وكان جيمس كرولي قد تأكد تماما من أن ذلك هو منزل غيتس، عندما قرر اعتقاله، وكان كرولي يستطيع أن يرى أن الأستاذ الجامعي لا يشكل أي خطر على أحد.

وللجدال فقط، دعونا نفترض أن رواية كرولي للواقعة صحيحة، وهي أن غيتس من البداية كان عدوانيا وعنيفا بل وبغيضا، وكان يعامله باستعلاء. ودعونا نفترض أن الأستاذ كان يردد: «ليس لديك أي فكرة عن الشخص الذي تعبث معه».

لقد عشت في كامبريدج لمدة عام ويمكنني أن أشهد على أن الالتقاء بأستاذ شهير بجامعة هارفارد يتسم بالغطرسة هو أمر مماثل تماما للالتقاء بلاعب كرة سلة شهير يتميز بأنه طويل، فليس الأمر مفاجئا على الإطلاق.

فلم يكن كرولي قد بقي أسبوعا واحدا في عمله، ناهيك أن يصل إلى رتبة سيرجينت إذا حاول اعتقال كل عضو في جامعة هارفارد يعامله على أنه من نوع أقل من الكائنات. ولكن بدلا من أن يسير كرولي مبتعدا، اعتقل غيتس وهو يقف على باب منزله الخاص.

من الواضح، أن في الأمر شيئا يتعلق بموازين القوى ـ الغطرسة؛ أستاذ أسود من النخبة مقابل ضابط أبيض من الطبقة العاملة ـ لم يستطع كرولي أن يتقبله وهو ما يماثل الحكم على القضية برمتها من منطلق التعليق الساخن الذي أعقب الواقعة؛ حيث إنه يجعل المحافظين ينسون إيمانهم بالحقوق الفردية ويعارضون التدخل في سلطة الدولة.

وكانت هناك حالة مشابهة من فقدان الذاكرة الجماعية في جلسات استماع سوتومايور؛ فالجمهوريون الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة قاضية تلتزم بالسوابق القانونية وتتجنب اتخاذ نهج جديد فيما يتعلق بالأحكام التي تصدرها، نسوا أن تلك هي الفلسفة القضائية التي يدعون إليها.

ورأى الكثيرون أن الأسئلة الشاذة وغير اللائقة التي وجهها السيناتور لندسي غراهام (عضو الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية) حول مزاج سوتومايور تتسم بالعنصرية وقد كانت كذلك بالفعل. ولكنني أشك أن معادلة السلطة العرقية قد مثلت عاملا كذلك، حيث استطاعت «لاتينية حكيمة» وساخرة أن تضايق عددا من المحامين العصبيين ـ بعضهم رجال من البيض ـ وتجعلهم يشعرون بالارتباك.

فهل يستطيع رجل في مثل حالة غيتس أن يغتر ويذكر ضابط شرطة بأنه يتعامل مع شخص لديه نفوذ؟ هل تستطيع امرأة بمثل نجاح سوتومايور إهانة محام لأنه جاء إلى المحكمة بدون أن يكون مستعدا. وبالطبع، لا يوجد من هو أكثر قدرة على تنفيذ مثل تلك الأشياء من الأشخاص النافذين الذين جاءوا قبلهم.

ومع ذلك فقد أصبح مزاج غيتس العصبي مبررا لاعتقاله. ولكن هل كان رد الفعل سيكون مختلفا إذا كان أحد هؤلاء الرجال النافذين أستاذا عبقريا وشهيرا بجامعة هارفارد، وأبيض في الوقت نفسه، مثلا المستشار الرئاسي لاري سومرس في إجازة حاليا من الجامعة. يمكنني أن أراهن على ذلك. هل يريد أن يشارك أحد في الرهان؟

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»