استشارات زواج مجانية

TT

تمر إسرائيل وأميركا حاليا بواحدة من الخلافات الزوجية المتكررة التي مرت عليهما على مدار سنوات، والمحملة بعبارات مثل «أنا ـ لن ـ أتحمل ـ المزيد ـ من ـ ذلك ـ الهراء»، يطلقها المسؤولون بإدارة أوباما في وجه القادة الأميركيين اليهود، وبالطبع ـ لن يكون خلافا إسرائيليا أميركيا دونها ـ اتهامات إسرائيل لمساعدي أوباما اليهود بأنهم يعانون من «كراهية هويتهم اليهودية»، وبالتالي فهم يحاولون حل أزمة الهوية التي يعانون منها بالعمل ضد إسرائيل. ونظرا لأنني شهدت ذلك الشجار من قبل، ولأنني أعرف كلتا العائلتين فإنني أود أن أقدم بعض إرشادات الزواج المجانية.

هذا ما يحتاج الإسرائيليون إلى أن يفهموه: فالرئيس أوباما ليس منبتّ الصلة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وتعكس مطالبته بتجميد المستوطنات توجهات كانت تتراكم في أميركا منذ وقت طويل. فخلال الأربعين عاما الماضية كانت الحكومة الإسرائيلية المتعاقبة تضلل وتتلاعب وتقنع الرؤساء الأميركيين السذج أنه نظرا لأن إسرائيل تفاوض للتخلي عن منطقة كبيرة، فليست هناك حاجة للصراع حول المستوطنات «قليلة الأهمية» في بعض المناطق. وبعيدا عن تلك الكوميديا، كان المستوطنون الإسرائيليون يستقطعون المزيد والمزيد من الضفة الغربية، وهو ما خلق عذرا أخلاقيا وأمنيا واقتصاديا ضخما بالنسبة لإسرائيل وأصدقائها.

وكما يقول برادلي بارستون كاتب المقال في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الأسبوع الماضي: «لقد كلفت حركة الاستيطان إسرائيل ما يعادل 100 مليار دولار، وهي نفس المعايير المزدوجة التي كانت تنحاز إلى المستوطنين منذ عقود بالإسكان الرخيص، والخدمات الاجتماعية المدعومة، وتصاريح البناء غير المشروطة التي كان يتم التعامل معها طوال الوقت بحذر، نظرا لعنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين وأملاكهم. وقد انحاز المستوطنون ومخططو المستوطنات وحرفوا إجراءات تقسيم الأراضي، وتوجيهات الجيش، والمراسم الحكومية لكي يعززوا الاستيطان ويعوقوا عمليات البناء التي يقوم بها الفلسطينيون، ولكي يعوقوا قدرتهم على الزراعة والعمل ويحيدوا بفعالية المعايير التي من المفترض أن تعزز تقدم عملية السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني».

ولسنوات طويلة، وبدلا من الضغط على إسرائيل من أجل وقف تلك العملية المزعجة، استخدم مؤتمر رؤساء المؤسسات اليهودية الأميركية الرئيسية وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل نفوذهم لكي يحموا بغباء إسرائيل من الضغط الأميركي المتعلق بتلك القضية، ولإثناء المسؤولين والدبلوماسيين الأميركيين عن الحديث ضد قضية الاستيطان.

والجميع في واشنطن يعرفون ذلك، ولكن الكثير من الناس ـ المهتمين بإسرائيل ـ أصبحوا يشعرون بالضجر منه.

وقد صور إيثان برونر رئيس مكتب «التايمز» في القدس غطرسة المستوطنين التي تتلخص في عبارة «لا يمكن المساس بنا»، عندما اقتبس عبارة لرابي ياجيل شاندورفي قائد الأكاديمية الدينية بمستوطنة نهليل، عندما وصف السيد أوباما وهو يلقي خطابه: «هذا العربي الذي يطلقون عليه رئيسا».

وبالتالي فإذا ما ضغط السيد أوباما بوضوح من أجل تجميد المستوطنات فإنه سوف يعكس في الواقع إحساسا شائعا في الكونغرس والبنتاغون وبين الكثير من الأميركيين واليهود كذلك. وقد نشرت «هآرتس» تعليقا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ينعت فيه مساعدي أوباما اللذين كانا يضغطان من أجل تجميد المستوطنات بـ«اليهود الكارهين لأنفسهم»، وينكر المتحدث الرسمي باسم نتنياهو أنه قال ذلك، وأتمنى ألا يكون قد فعل. فعندما تطلق مثل تلك التصريحات تصبح غير محصن.

ماذا عن السيد أوباما؟ فهو ليس لديه ما يعتذر عنه، فالرئيس يعمل على إتمام صفقة توافق إسرائيل بمقتضاها على تجميد حقيقي لبناء المستوطنات، ويجتث بمقتضاها الفلسطينيون جذور الإرهاب، وتبدأ الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل: منح التأشيرات لإسرائيل، التبادل التجاري، التبادل الإعلامي وإعطاء شركة «العال» الحق في الهبوط في مطاراتهم.

فإذا استطاع الرئيس تحقيق ذلك فسيكون في صالح الجميع، وإذا استطاع التقدم وبدأت محادثات السلام فسوف يكون هناك بعض النقاط الشكلية التي يجب أن يضعها في اعتباره:

أولا: لا تتورط في مسألة توزيع اللوم في ذلك الصراع، والذي مال خطاب القاهرة إليه، حيث لا يصدق الفلسطينيون أنهم يتعرضون للوم في تلك القضية، ولا الإسرائيليون كذلك. وقد قال أستاذ إسرائيلي متدين وصديق لي ذلك بطريقة واضحة: «يستطيع الناس أن يمنحوا الكثير إذا ما اعتقدوا بأنهم ليسوا مذنبين. لقد كانت أمي تقول لي: أنا مستعدة أن أعطيهم القدس، ولكن لا تقُل لي إنني أنا التي بدأت الأمر».

وثانيا: إن إسرائيل لديها أعداء حقيقيون، فرئيس إيران يقول إن الهولوكوست هو مجرد أسطورة، وأنه يجب محو إسرائيل، كما أنه يحاول تصنيع قنابل نووية. ومن جانبها انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان وغزة. حقا، لقد كان انسحابا فوضويا، ولكنه حدث، والشيء الوحيد الذي حصلت عليه في المقابل كان هو الصواريخ. فالإسرائيليون مثلهم مثل بقية الناس، يستمعون عبر قلوبهم، بمعنى أنه عليك أن تتواصل معهم على المستوى العاطفي، الذي يقول إنك تتفهم أين يعيشون، وفي هذه الحالة يمكنك أن تأخذهم إلى المكان الذي تريده. أما إذا لم تتواصل معهم على المستوى العاطفي فإنك لن تستطيع إحراز أي شيء.

والخلاصة: يحتاج الإسرائيليون إلى أن يفهموا أن تلك لم تعد إدارة بوش، التي كانوا يستطيعون من خلالها إدارة البيت الأبيض، فهم يواجهون مشكلة حقيقية مع الأميركيين بشأن المستوطنات. ويحتاج السيد أوباما إلى أن يفهم أنه فيما يتعلق بالشؤون العربية ـ الإسرائيلية، كلما قل ما تقوله وكثر ما تفعله، كان أفضل. فكل كلمة في ذلك الصراع لها تاريخها الخاص. أنجز الصفقة ـ تجميد الاستيطان مقابل التطبيع ـ سوف يجبّ ذلك التقدم أي كلام.

*خدمة: «نيويورك تايمز»