عرض شديد الاختصار ـ والتأخر

TT

أشرت إلى كتاب «نيكسون في الشتاء» لدى صدوره العام 1988 (راندوم هاوس) ووعدت بأن أعرض له فيما بعد. ولم أعد. والسبب أن كتاب الزوايا، مثل نزلاء الزنازين العربية، يعانون من عقدة المساحة. أو الفسحة. وعندما حدد لنا الأستاذ عثمان العمير هذا الحجم قبل عقدين، كان يقلد الصحافة الغربية الراقية التي تحدد عدد الكلمات، وتطلب من الكاتب أن يعدها قبل إرسال زاويته إلى النشر، فإذا زادت بحرف عطف أو فاضت بحرف علة، كان لا بد من إعادة النظر في السطر أو الفقرة. المشكلة التي واجهتنا هي أن اللغة العربية ليست الإنكليزية ولا الفرنسية. وزاوية روبير سوليه في «الموند» من ستة أسطر، لكن لو حاولت ذلك لصدرت الزاوية مثل إعلان صابون مبوب. وقد جربت الجريدة أن تستكتب الزميل الكبير غسان الإمام زاوية مشابهة على الصفحة الأولى. وبكل استقلاليته وموهبته ومهنيته، حاول فترة قصيرة ثم اعتذر. وبعد الأستاذ العمير جاء أستاذنا عبد الرحمن الراشد، وأضاف إلى تحديد الحجم منع الكتابة على حلقات وترقيمها. وضاقت علينا الدنيا والمساحة بفرض المانعين. فالعربية لغة استطراد. والحكاية العربية أمتع ما فيها البقيات. وهكذا صار علينا أن نتحاشى طول ليل شهرزاد وطريقتها في الخواتم. فكيف يبقى لنا أن نرضي السلطان، أي السيد القارئ، وهو ذكي وحاد. وإذا كان في رقي الأمير عبد العزيز بن سلمان وفي شغفه الثقافي قال «عندما أبدأ في قراءة بعض المقالات أخاف فوراً أن تنتهي».

لكن هذا ليس رأي سكرتير التحرير والمخرج ومقصهما. فالجريدة تسلم إليهم كلمات، وعليهم أن يحولوها إلى سنتمترات. وعندما قرأت «نيكسون في الشتاء» شعرت أنه يحتاج إلى حلقات كثيرة. إنه رواية مخزنة لتكتبها مساعدة عمرها 25 سنة عن رئيس معزول عمره 80 عاماً. رئيس يقول لها: «هل تعرفين شيئاً يا مونيكا (كرولي) عندما تذهبين إلى النوم هذا المساء، تذكري أن الرئيس يملك بعض السلطة، أما الرئيس السابق فلا يملك منها شيئاً».

لم أكن أحب أن أختصر رأي نيكسون في الآخرين: «ذلك الرجل الذي يملك مال العالم لكنه يشتهي لقب سعادة السفير. سوف أبتز الثمن منه ربع مليون دولار. ويكون ذلك ثمن الإصغاء إليه». ويقول عن روبرت ماكنمارا إنه يصدر دائماً تلك البيانات التي تشبه الرغوة: «الصحافة تحب الرغوة». وكان ينظر باحتقار إلى جيمس بيكر، وزير خارجية جورج بوش: «إنه يشبه النبأ السيئ. لا رؤية لدى بوش وبالتأكيد لا رؤية عند بيكر. لقد ضخموا صورته كاستراتيجي، والآن هو غارق إلى فوق رأسه في السياسة الخارجية. إنه يبدو مثل هاوٍ مسكين أمام ادوارد شفارنادزه (السوفياتي). وبوش ليس أفضل منه بكثير. ليس ثمة فكر كبير هناك. لا رؤية. إنهم يسمونها إدارة الأزمة وأنا أسميها انعدام القيادة. انظري إلى بوش يتحدث في القضايا الكبرى وهو يلعب الغولف. تباً لك. أين ربطة عنقك وأنت تتحدث في القضايا البالغة الأهمية؟».