أطعمهم.. والله يسترهم!

TT

في غزة لا يستطيع الرجال السير عراة الصدور على الشواطئ، ويطلب من المتاجر إزالة تماثيل عرض الملابس، كما يضيّق على المخيمات الصيفية للأطفال بحجة الاختلاط، ويتم استهداف مقاه ورموز مسيحية، بل بلغ الأمر حد تفجير قنبلة بحفل زفاف بحجة حرمة الموسيقى.

وفي العراق، الذي تتغنى حكومته بالديموقراطية، «التي تغار منها دول الجوار» بحسب ما ردده بعض العراقيين الذين زاروا واشنطن مؤخرا، تسعى الحكومة للتشدد بالرقابة على الإنترنت والكتب حماية للمجتمع.

أما في السودان الذي يخرج من أزمة ليدخل في أخرى فقد قامت الدنيا ولم تقعد من أجل حماية الأخلاق الإسلامية، وبلغ الأمر إلى حدوث مواجهات ومصادمات، وكل ذلك بسبب سروال، أو بنطال، ارتدته صحافية سودانية!

يحدث كل ذلك بالطبع، باسم الدين، وحماية المجتمع، في ثلاث مناطق من عالمنا العربي يعاني فيها الإنسان، أصلا، أشد المعاناة، من فقر، وجريمة، وعنف، وأزمات سياسية تهدد البلاد والعباد!

فحرب الفضيلة تستعر على سكان غزة الذين تعيش شريحة عريضة منهم في العراء بلا مأوى، ويطلب من رجالهم في الصباح أن لا يعروا صدورهم على شاطئ البحر حماية للدين والقيم الإسلامية، التي كان من الواجب الحفاظ عليها يوم نكثت حماس بالأيمان التي قطعتها أمام الكعبة!

أما عراقيا فرغم أن البلاد تواجه مشاكل جمة من إرهاب، وطائفية، إلى أنهار يضربها الجفاف، وزراعة مهددة بالكامل، ناهيك عن أن إنتاج الكهرباء في العراق كله مهدد بالتوقف، فإن الحكومة قررت إنفاق الأموال من أجل فرض الرقابة والعودة إلى ثقافة عهد صدام، بدلا من تدعيم ثقافة الدستور والديموقراطية، حيث الحريات، والفكر الخلاق.

أما السودان المهدد بالانقسام، أصلا، والذي يشهد تحديات صعبة جدا، وبلغ الأمر بحكومة الخرطوم إلى توسل الأميركيين من أجل رفع العقوبات عنهم، وبدلا من مواجهة تلك التحديات، وتسهيل حياة الناس، فإن المعركة اليوم هي استهداف المواطنين بحجة فرض الأخلاقيات الإسلامية.

أمور لا نراها إلا في عالمنا العربي، وهو ما يهمنا هنا، حيث يقمع الإنسان، ويحرم من الأمن ولقمة العيش الكريمة، ويطالب بعد ذلك بالحفاظ على الأخلاقيات والقيم، وهذا أمر لا يستقيم، فالأمن والاستقرار والأخلاقيات كلها منظومة واحدة، ولا تتجزأ.

دور الحكومة، أي حكومة، هو بكل بساطة، وكما قلنا مرارا، يتلخص في قول الله تعالى «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، فإذا وجد الإنسان اللقمة الكريمة، والعيش الآمن، والتعليم الجيد بالطبع، فحينها يصبح هو نفسه حامي الأخلاقيات والقيم، وهو الذي يرتقي بها، ليس في بلاده وحسب، بل في أي مكان يعيش فيه.

إذا أمنت المجتمعات، وتعلمت، وبات لديها ما تخاف عليه، وهو الأمن والعيش الكريم، فإنها تسعى بما أوتيت من أجل الحفاظ على تلك المكتسبات، وعلى الأخلاق والقيم، ولذا فإن دور الحكومات هو حسن الإدارة من أجل توفير أمن وحياة كريمة، لا التدخل في حياة الناس الخاصة، تحت أي عذر.

ولذا نقول: أطعمهم.. والله يسترهم!

[email protected]