شمعة الرعاة

TT

قال منصور الرحباني ذات مساء: إنك تكتب عن الرعيان على أنهم رمز السعادة. تكتب كما قرأت في الكتاب. تنقل عن الذين كتبوا ولم يعرفوا. أنتم عرفتم الرعيان في قصائد جبران وفي الأغاني: راع عائد من الحقل ومعه قطيعه. يدندن ويغني. يدندن لنفسه ويغني لنفسه ويعزف الناي لنفسه ولعزلته ولوحدته. وأنتم تكتبون، هناءة الراعي وطمأنينة الرعاة. وماذا تعرفون عن الطمأنينة وعن الرعاة؟ من منكم رأى الليل كما رآه الرعاة؟ من منكم عرف اسوداد الظلام كما عرفه الرعيان؟ من منكم حل عليه الليل والظلام والمطر وهو خائف على حمل مريض أو نعجة لا يعرف لماذا ارتفعت حرارتها فجأة، ولماذا لا يضيء الليل إلا بالبرق؟

بلى، كان هناك شيء آخر يضيء الليالي الدوامس الحالكات. دودة الفوسفور. كنا نسميها شمعة الراعي. تحيرنا وتسلينا وتكون النور الوحيد. لن تعرف كم كان يفرحنا أن نرى «شمعة الراعي»، فوق زهرة أو شوكة أو نبتة لفها الظلام هي كذلك، لن تعرف. لا أحد يعرف. الرعيان وحدهم يعرفون، وهم ما بين الغروب والفجر. لا ضوء قنديل ولا شيء سوى القمر أحياناً والنجوم أحياناً. عتم ثم خلفه عتم ثم عتوم.

وفجأة تظهر شمعة: الرعيان وعلى ظهرها ضوء مثل مجموعة مصابيح. لماذا تعتقد كثر في مسرحياتنا الحديث عن الليل والقنديل. لو كنت راعياً مثلي لعرفت معنى القنديل في ليل الرعيان. ولعرفت أن حشرة فوسفورية تبدد وحشة المكان لكثرة ما فيه من وحشة. وأنتم تكتبون عن طمأنينة الرعيان. ونحن نخاف أن يلمع أي شيء في العتم خشية أن تكون عيون الذئاب. هل رأيت عيني ذئب جائع تلمعان وأنت في الليل ومعك قطيعك يرتجف. وتكتبون عن طمأنينة الرعيان وناياتهم. ونحن نحلم بأن تظهر بيننا هذا المساء شمعة الرعيان. تدخل وحشة الظلام ببطء وفرح. نتأملها لأنها الشيء الوحيد الذي نستطيع رؤيته في الظلام. نتأملها ونلمسها ونأمل بأن تكون الحملان قد أنست بها أيضاً. فلا أنسَ في ليل الرعيان. وفي النهار يغنون المواويل لأنفسهم ويداعبون الغنم ويسمونها أسماء مثل أسماء الناس لكي يحاكوها. لكنها لا تحاكيهم. تقفز وترعى ثم يأتي الليل وليس فيه سوى شمعة الرعيان. أحياناً.