اقتناص قادة المعارضة في إيران على غرار صيد الديوك في تنسي

TT

بأداء محمود أحمدي نجاد القسم لفترة رئاسية ثانية يواجه معارضو إعادة انتخابه خيارين: الاستسلام المذل أو الانشقاق المحفوف بالمخاطر. ويمكن لأي من الخيارين الذي سيختارونه أن يقرر مصائرهم الفردية ومستقبل الدولة التي تخوض غمار رحلة خطرة.

حتى الآن نجح المنشقون الأربعة ـ ويمثلون رئيسين سابقين هما هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، ورئيس وزراء سابق هو مير حسين موسوي، ورئيس مجلس الشورى الإيراني مهدي كروبي ـ في الحفاظ على هدوئهم واتحادهم.

وقد أبرزت مقاطعتهم لحفل تنصيب أحمدي نجاد عمق الصدع داخل المؤسسة الحاكمة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى متى سيظل هؤلاء الأربعة محافظين على وحدتهم؟ هل فكر أحد في ذلك. فالرجال الأربعة لم يكونوا يوما ما أصدقاء بل إنهم كانوا خصوما في بعض المواقف.

في عام 1989 تحالف رفسنجاني مع علي خامنئي ثم أصبح رئيسا للجمهورية الإسلامية لتدمير مستقبل موسوي السياسي عبر إلغاء منصبه كرئيس للوزراء.

وفي عام 1997 أعد رفسنجاني الساحة لانتخاب خاتمي كرئيس، بيد أنه بعد ذلك بثماني سنوات رفض خاتمي دعم ترشيح رفسنجاني للرئاسة ضد أحمدي نجاد. ومن ثم لا يمكن استبعاد حدوث تصدع في العلاقة بين الرجال الأربعة.

ربما ينتهي الحال برفسنجاني، المعروف بالتبحر في المياه الملغومة إلى تغيير رهاناته مرة أخرى، حيث بدأ بالفعل في الحديث عن «إعجابه العميق بخامنئي». أما خاتمي فلا يتمتع بطول الصبر فهو سريع الغضب ويمكن تثبيط عزيمته بسرعة. وتنتشر أحاديث حول احتمالية مغادرته إيران لشغل منصب دولي في جنيف.

أما كروبي فقد أثبت أنه مقاتل مرن إلى حد مدهش، ويعتقد العديدون أن أسهمه ارتفعت بشكل ملحوظ منذ الانتخابات، بيد أن كونه أحد الملالي يجعله لا يصلح لأن يتجاوب مع الطبقات الوسطى والعاملة التي تقدم الدعم الأكبر للحركة المناهضة للنظام. وهو ما يترك موسوي الذي حوله انعزاله على مدار 20 عاما من السياسات الخمينية إلى لغز.

حتى الآن يعتبر موسوي الأكثر شعبية من بين الأربعة، بيد أن جزءا من هذه الشعبية ربما يرجع إلى حقيقة أنه بالنسبة للكثير من الإيرانيين صفحة بيضاء يمكنهم أن يرسموا عليها أحلامهم الخاصة.

ذلك التكتيك الذي اتبعه النظام ضد الرجال الأربعة يشبه ما يسمى «صيد الديك الرومي في تنسي» التي يبدأ فيها الرماة بصيد آخر طائر في رحلة الديوك الرومي قبل أن يتحولوا إلى صيد الطائر الأسرع الذي يقود القطيع. ومن ثم بدأ النظام في اعتقال أعداد كبيرة من «الديوك الرومي الكسالى» في الأيام الأولى من أحداث الاحتجاج، وصل عددهم إلى أكثر من 5,000 معتقل.

ولدهشة الجميع لم تثر تلك الاعتقالات الجماعية سوى ردود فعل بسيطة في العالم الخارجي.

فدأب الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما على التكرار بأنه لا يزال راغبا في الدخول في مفاوضات مع إيران. وأدان الاتحاد الأوروبي «انتهاكات حقوق الإنسان» لكنه لم يتحرك حتى عندما اتهم بعض مواطنيه بالتجسس والتخريب. بل حتى عندما ثبت مقتل ما لا يقل عن ستة من المعتقلين داخل السجون نتيجة للتعذيب رفض المجتمع الدولي الخروج عن صمته.

ما إن انتهت تلك المرحلة حتى واصلت السلطات في القبض على الأعضاء ذوي المكانة المتوسطة في الحركة ألقت القبض على ما يقرب من 200 من «قادة الحلقات التكتيكيين» وبدأ النظام في محاكمة البعض منهم وقدم اعترافات متلفزة لبعضهم. ويمهد النظام الأجواء لعمليات تطهير محاكمات على النسق الاستاليني. ويشير أحد المصادر في طهران إلى أن الآلاف من الموظفين الحكوميين سيطلب منهم التوقيع على أوراق تؤيد إعادة انتخاب أحمدي نجاد أو مواجهة الفصل من الوظيفة. من الواضح أن الهدف من هذه هو استخدام ما يطلق عليه حملة «البيعة» كذريعة لحملة تطهير في الوظائف المدنية والقوات المسلحة.

الخطوة المنطقية التالية ستكون اعتقال بعض الأفراد الأربعة. ويحاول النظام في الوقت الحالي جس النبض وقياس ردود الفعل الدولية، كما بدأ الإعلام الرسمي في إعداد الإيرانيين للقبض لتلك الخطوة.

وزعمت الصحف المملوكة للدولة أنهم تلقوا اتصالات هاتفية ورسائل من القراء تطالبهم بمحاكمة موسوي وخاتمي وكروبي ورافسنجاني كأعداء للإسلام. كما طالب الملالي المؤيدون لأحمدي نجاد في صلاة الجمعة بتقديم قادة التحريض على العصيان إلى القضاء واتهمت وكالات الأنباء الرسمية خاتمي بأنه جزء من مؤامرة ماسونية لعلمنة الإسلام وتنسيق رافسنجاني مع البريطانيين لزعزعة الاستقرار في البلاد.

اتهم كروبي أيضا بتلقي أموال من الخارج من بعض المجرمين سيئي السمعة. وهناك محاولات لربط موسوي بمجموعة مجاهدي خلق المنشقة الذين عملوا لصالح صدام حسين إبان الحرب العراقية الإيرانية.

وقد اتهم خامنئي ذاته الرجال الأربعة بأنهم يعملون «كالمنافقين الذين بنوا مسجدا ضرارا» في المدينة بهدف بث الفرقة في الأمة الإسلامية الناشئة.

وتستخدم آلة الإعلام الرسمية لغة مشحونة هي الأخرى ضد الرجال الأربعة حيث وصفتهم بأنهم أمثلة «ارستقراطيو الثروة والامتيازات» الذين يرتدون الثياب والساعات الثمينة ويقودون السيارات الأجنبية ويعيشون في فيلات فخمة ويرسلون أبناءهم إلى الجامعات الغربية ويمتلكون شركات ضخمة.

إن صيد الديوك الرومي في تنسي في إيران تعطي دلالات على أنها ستكون قبيحة للغاية.