الانتخابات الكردية: ماذا عن رئاسة الحكومة الإقليمية؟

TT

أفرزت الانتخابات الأخيرة في كردستان العراق حقائق إيجابية عدة. لكنها في الوقت ذاته، أفرزت حقيقة مؤلمة مؤداها أن الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني، الذي يعتبر ثاني أهم وأكبر الأحزاب في كردستان، إضافة إلى تمثيله إحدى دعامتي القائمة الكردستانية الفائزة بالمرتبة الأولى في الانتخابات إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أصيب بتراجع لافت في نفوذه بين أكراد العراق لصالح قائمة التغيير التي يتزعمها نوشيروان مصطفى النائب السابق للأمين العام للاتحاد الوطني.

ففي مركز مدينة السليمانية التي تعتبر المعقل الأساس لنفوذ طالباني، لم تحصل القائمة الكردستانية سوى على أكثر بقليل من ربع أصوات الناخبين. مراقبون محليون يعتقدون أن هذه النسبة لا تعود إلى أصوات قواعد «الاتحاد» في المدينة، إنما إلى أعضاء ومؤيدي بارزاني. أما قائمة التغيير التي لم يمض على تشكيلها في السليمانية سوى شهرين، فإنها حصدت نسبة انتخابية فاقت نسبة القائمة الكردستانية بنحو عشرين إلى خمسة وعشرين في المائة من أصوات الناخبين في السليمانية. هذا التناقض، في رأي المراقبين، يشير إلى أن قواعد الاتحاد الوطني أدلت بأصواتها لصالح قائمة التغيير، أو أنها تجنبت، أصلا، المشاركة في عملية الاقتراع. هذا على الرغم من أن الأصوليات الحزبية، على الأقل في أحزاب شرق أوسطية كالأحزاب الكردية، تشدد على ضرورة التزام القواعد بالتصويت لصالح القائمة التي ينضوي الحزب في إطارها.

في كل الأحوال، ليس المهم في كل هذا، اتجاهات التصويت التي اختارها الناخبون من أعضاء ومؤيدي الاتحاد في السليمانية وغيرها من المدن والقصبات الكردية، إنما المهم أن هذه الحالة في حد ذاتها تشير إلى درجة الضعف التي أصبحت عليها قيادة الاتحاد في إدارة حزبها وإخضاع أعضائه للتناغم مع الالتزامات والاتفاقيات السياسية والتحالفات التي تعقدها في الساحة الانتخابية.

ما يضيف اهتماما استثنائيا إلى هذه الحالة، أن الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين الحزبين الرئيسيين في كردستان ينص على ضرورة تولي مرشح الاتحاد الوطني رئاسة مجلس وزراء كردستان في التشكيلة الحكومية المقبلة. لكن المشكلة أن نتائج الانتخابات أوضحت إخفاق الاتحاد الوطني في الحد من نفوذ قائمة التغيير، على الأقل في السليمانية وكويسنجق مسقط رأس طالباني. كما أوضحت إخفاقه في دفع تنظيماته للالتزام بدعوات أمينه العام إلى دعم القائمة الكردستانية ومرشحها للرئاسة مسعود بارزاني.

بيد أن أوساطا ثقافية وسياسية في كردستان تنفي أن يكون طالباني قد تعمد اللجوء إلى لعبة انتخابية خادعة. كما تنفي عزم شريكه، بارزاني، على التخلي عن مساندته إنْ على الصعيد الكردستاني أو على الصعيد العراقي. لكن الأوساط ذاتها تشدد على أن ما حصل في السليمانية هو بمثابة إشارة واضحة إلى حالة التفكك والضعف التي أصبح عليها حزب طالباني جراء النخر الذي أصابه خلال السنوات القليلة الماضية.

في رأي الأوساط ذاتها، أن تراجع نفوذ طالباني في السليمانية لصالح قائمة التغيير قد يدفع بحزب بارزاني إلى التمسك بحقه في الاحتفاظ برئاسة الحكومة. فالاتحاد الوطني الذي عجز عن ضبط حركة قواعده وتوجيه خياراتهم الانتخابية، تصعب عليه إدارة حكومة كردية تحيط بها ظروف داخلية وعراقية وإقليمية ودولية صعبة ومعقدة.

لكن ماذا عن اتفاق الحزبين في فترة سابقة على تسليم رئاسة الحكومة في دورتها المقبلة إلى مرشح طالباني؟ الأوساط الثقافية والسياسية نفسها ترد على السؤال بقول مفاده: إن الاتفاق أصبح يتطلب مراجعة دقيقة على ضوء الحقائق التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة. كما أصبح يتطلب التفكير مليّا، ولأكثر من مرة، في مسألة إعطاء حق تشكيل الحكومة المقبلة إلى الاتحاد الوطني الذي أثبت عجزا لافتا لا في احتواء قائمة التغيير في السليمانية فحسب، بل حتى في دفع تنظيماته ومؤيديه للتصويت لصالح القائمة الكردستانية ومرشحها لرئاسة إقليم كردستان.

* كاتب كردي عراقي