رحلة كلينتون إلى كوريا الشمالية تعوزها الحكمة

TT

وصفت إدارة أوباما رحلة (الرئيس الأميركي السابق) بيل كلينتون غير المتوقعة إلى بيونغ يانغ، التي هدفت إلى ضمان إطلاق سراح صحافيتين أميركيتين أبقت عليهما كوريا الشمالية رهن الحبس دون مبرر لمدة خمسة أشهر، بأنها مهمة إنسانية خاصة. وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على أن مصير الصحافيتين اللتين ضلتا طريقهما في كوريا الشمالية (لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت ذلك حدث عن عمد أم مصادفة) يجب أن يتم فصله عن قضية برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي الذي لم يتم حسمه.

ولكن، تنظر كوريا الشمالية إلى هذه الرحلة بصورة مختلفة جدا، فقد قابل الرئيس الأميركي السابق في مطار بيونغ يانغ شخصيات بارزة، على رأسها كيم كي غوان، كبير مفاوضي كوريا الشمالية المختصين بالملف النووي، وهو ما يتضمن رابطا رمزيا جليا.

وفي رأي بيونغ يانغ فإن الصحافيتين قطعتا شطرنج في مباراة أكبر، تسعى من خلالها إلى تعزيز شرعية النظام الحاكم والتواصل بصورة مباشرة مع شخصيات أميركية بارزة. وكان إلقاء القبض على الصحافيتين والمحاكمة الصورية وحكم السجن الذي تلى ذلك (12 عاما مع الأشغال الشاقة) بمثابة عملية احتجاز لرهائن، وهذا بالضرورة عمل إرهابي. ولذا كانت رحلة كلينتون انتصارا في الدعاية له أهميته لصالح كرويا الشمالية، وذلك سواء حمل كلينتون رسالة رسمية من الرئيس أوباما أم لا. ومع أن الخطاب الأميركي لكلا الحزبين منذ عقود يدعو إلى عدم التفاوض مع الإرهابيين من أجل إطلاق سراح رهائن، فإن إدارة أوباما لم تختر التفاوض وحسب، ولكنها أوفدت رئيسا سابقا للقيام بذلك.

وفي الوقت الذي تشعر فيه الولايات المتحدة بالقلق عندما يتعرض أي من رعاياها لمعاملة سيئة أو يحتجز كرهينة، فإن الجهود التي تبذل من أجل حماية المواطنين لا يجب أن تتسبب في مخاطر محتملة أكبر لأميركيين آخرين في المستقبل. وهذه بالضبط هي نتيجة الزيارات التي يقوم بها رؤساء سابقون أو شخصيات أخرى بارزة كنوع من الفدية السياسية من أجل إطلاق سراح الرهائن. ومن المفترض أن إيران وغيرها من الدول الأوتوقراطية تتابع عن كثب هذا السيناريو الذي حدث في كوريا الشمالية. ومع العلم بأن هناك ثلاثة من متسلقي الجبال الأميركيين في أسر طهران منذ وقت قريب، فهل سوف يحزم كلينتون أمتعته مرة أخرى ويقوم بعمل محترم آخر؟

وبالنظر إلى الأمام تظهر تساؤلات: أي من الرهائن الأميركيين لن يكون بالقدر من الأهمية الذي يجعله يستحق معاملة رئاسية؟ وماذا عن روكسانا صبري والأميركيين الآخرين الذي احتجزوا في السابق داخل طهران؟ ماذا عنهم وما الذي جعلهم لا يستحقون زيارة رئاسية؟.. هذه هي نتائج إشارات سياسية لم يتم التفكير فيها بالصورة المناسبة، بل كانت عن غير قصد وبصورة عاطفية. وفي الواقع، فإن إطلاق سراح الصحافيين، وهو خبر سار، لا يقلق من المخاطر المستقبلية.

وربما كان لزيارة كلينتون الكثير من الآثار السلبية الأخرى. وفي بعض النواحي، فإن الرحلة ذكرت برحلة غير سارة قام بها الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر عام 1994، حيث شوش على المفاوضات النووية التي كانت تقوم بها إدارة كلينتون مع كوريا الشمالية، واتجه مباشرة إلى «الإطار المتفق عليه» الذي أسيء التخطيط له. وبتوفير شرعية سياسية وموارد اقتصادية ملموسة إلى بيونغ يانغ، فإن الإطار المتفق عليه أعطى كوريا الشمالية ودولا أخرى مارقة خارطة طريقة لتعظيم المنافع من برنامج نووية غير مشروعة. وانتهكت كوريا الشمالية الإطار منذ البداية تقريبا، ولكن مع ذلك جذبت إدارة بوش إلى مفاوضات (المحادثات السداسية) لمناقشة إنهاء برنامج النووي مقابل امتيازات اقتصادية وسياسية أكثر. وهذا هو تاريخ سلوك غير مقبول وله مخاطر، وهو درس تعلمه جيدا من يريدون امتلاك برامج نووية.

وفي الوقت الحالي لا نستطيع أن نتنبأ بما إذا كانت زيارة كلينتون سوف تفضي إلى مفاوضات أخرى حول البرنامج النووي الكوري الشمالي أم لا، ولكن يبدو أن هذه هي النتيجة التي تأمل إدارة أوباما أن تحققها. ومن المضحك أنه ربما يريد كيم وأوباما بدء المفاوضات الثنائية، أو على الأقل تجديد المحادثات السداسية. ولا يحقق وعد أوباما بـ«يد ممدودة» خلال كلمته في حفل تنصيبه الكثير من النجاح في مختلف أنحاء العالم، ويمكن أن تستخدم كوريا الشمالية إمدادات جديدة من المساعدات الاقتصادية، التي ربما تكون الشحنة السرية في مهمة كلينتون.

النقطة التي نخلص بها من زيارة كلينتون هي أن الاندفاع دون تفكير له كلفة كبيرة أكثر مما يمكن أن يتخيله من يروجون له. والتفاوض من موقف قوة من أجل منافع للمصالح الأميركية أكثر من التكلفة شيء، والتفاوض فقط من أجل التفاوض على الرغم من الإخفاقات الواضحة أخيرا شيء آخر.

* زميل بارز في معهد «أميركان إنتربرايز»، وكان سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في الفترة من أغسطس (آب) حتى ديسمبر (كانون الأول) 2006.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»