برغم كل شيء

TT

الغائب الأكبر عن مؤتمر فتح السادس، كان القضية الفلسطينية. عادت منظمة التحرير إلى الضفة والقطاع، وخرجت منها الروح النضالية، التي أبقت القضية حية برغم كل محاولات العالم لقتلها. الآن تولى ذلك الفلسطينيون، فوق الأرض التي عادوا إليها. والذين لم يعودوا، كالسيد فاروق القدومي، يؤدون قسطهم أيضا. فلن تجد أميركا وإسرائيل والحركة الصهيونية هدية أفضل من «وثائقه» التاريخية، التي تؤكد أن محمود عباس، تآمر مع شارون لاغتيال ياسر عرفات.

يقول الدكتور ناصر القدوة، الدبلوماسي العاقل وابن شقيقة عرفات، إن إسرائيل سممت لعرفات حقا، أما القول عن شراكة أبو مازن في العملية فهو مضحك، أو هو مبك، مثل الخطابات التي كتبها القدومي في مديح الحبيب بورقيبة، بعد كل ما قاله في هجائه. محزن درب الفلسطينيين. محزن ومرير. تعرض «الجزيرة» الإنكليزية مسلسلا عن مسيرة (أبو عمار). وفي إحدى الحلقات يقول أبو داود، قائد حركة أيلول 1970 في عمان (وفق مذكراته) إنه عندما اغتال أبو نضال، عصام السرطاوي، في البرتغال بتهمة التفاوض مع الإسرائيليين، كان هناك شمعون بيريز فلماذا لم يقتله؟ ويتساءل البرنامج لماذا قتل أبو نضال عشرات النمساويين، ولم يقم بعملية واحدة في إسرائيل ذلك العام؟ لأن الدرب الفلسطيني حزين. لأن الذين منعتهم حماس من حضور مؤتمر رام الله أضعاف الذين منعتهم إسرائيل. لأن ضحايا فلسطين في الصراعات العربية والفلسطينية عشرات أضعاف الضحايا في الصراع المباشر مع إسرائيل. لأن الدرب الفلسطيني حزين ومرير. لأن أول ما فعلته السلطة بعد العودة هو ركوب سيارات المرسيدس، ومراكب الفساد المعلن والرشوة المعلنة.

لأن الدرب الفلسطيني طويل وحزين. شفيق الحوت لم يمت شابا، لكنه مات قهرا. أمضى 60 عاما في النضال، نصفها كان في الصراع مع رفاقه. كانت مرارته علقما ومرا. وكان يتنفض مثل ديك مذبوح، كلما بدأ حديث السياسات الفلسطينية. مات مسمما بالخيبة والمرارة. بدأ حياته يحارب السياسيين العرب، فإذا به يخوض حربا دائمة مع السياسيين الفلسطينيين. وطالما ترحم على السياسيين العرب.

كان على مؤتمر فتح أن يعرض، بكل صدق، الخذلان العربي والفلسطيني. أما القهر الصهيوني فليس في حاجة إلى تذكير، عندما يختار الاسرائيليون أفيغدور ليبرمان وزيرا للخارجية. طويل ومحزن درب الفلسطينيين. ولكن برغم كل شيء، عاشت القضية.