إنه الإعلام يا طهران

TT

ما الذي جعل الشارع الايراني ينفجر فجأة؟ فالانتخابات كانت دائما مسرحية، والديموقراطية الإيرانية مثل بقية دول العالم الثالث مركبة بحيث لا يفوز بها إلا حزب السلطة وفرد بعينه. في نظري هناك جملة أسباب، منها خبو شعلة الثورة، وغلبة الجيل الجديد الراغب في الانفتاح والتغيير، وتزايد الانقسام داخل القيادة، والوضع الاقتصادي المتردي الذي عالجته الحكومة بإطعام الناس شعارات وبطولات خارجية. أضيف إلى ذلك عاملا جديدا ومهما هو ولادة إعلام معارض نقل للإنسان الإيراني ما كان محرما عليه سماعه، فسهل عليه التواصل ودفعه إلى الانفجار.

إيران كانت إلى فترة قريبة جدا أرضا عذراء. إيران من دول العالم القليلة التي عاشت في عزلة إلا من إعلامها الرسمي، الذي ردد على مدى ثلاثة عقود أخبار النجاح والولاء وأخفى القصص الأخرى، وعاش النظام في مناخ محصن. كانت هناك بضع إذاعات ضعيفة موجهة ضد النظام لا أثر لها يذكر، لكن لا محطات تلفزيونية ولا شبكات نت معادية. بخلاف إيران، اعتادت الدول العربية على الحروب الإعلامية ضد بعضها البعض، وألفت الأنظمة على الاستيقاظ كل صباح على ضخ إعلامي يحرض عليها لعقود متتالية. أما سر عذرية المجتمع الإيراني فيكمن في لغته الفارسية، لغة الإيرانيين التي لا يشاركهم فيها نظام آخر، باستثناء بضع أقليات خارجية ليست طرفا في أي نزاع، بخلاف العرب المقسمين إلى عشرين نظاما، يتراشقون بلغتهم العربية الاتهامات والتحريض.

خصوصية اللغة سهلت هيمنة النظام، ولم تدخل بيوت الإيرانيين صحون التلفزيون الفضائية بشكل واسع إلا حديثا إلا بعد ظهور محطات مختلفة، ومعها فتحت أبواب طهران وتسلل غول الأفكار المعارضة، ثم كسرت محرمات آخرها نقد النظام. ومع انهيار السد تدفقت وسائل التواصل الحديثة والسهلة، من مواقع إلكترونية ورسائل نصية، فربطت مئات آلاف من الشباب الإيراني الغاضب ببعضه البعض. في المقابل جلس النظام غاضبا وعاجزا عن إعادة اختراع نفسه.

والمفارقة هنا أن النظام الإيراني، الذي يشتكي من أن هناك مؤامرة إعلامية مضادة، هو نفسه أكبر محرض في الساحة العربية. فقد كسب مجده في العالم العربي من وراء الدعاية السياسية المعادية لخصومه، وخصص كثيرا من ماله وجهده لدعم الإعلام الموالي له سياسيا في لبنان وفلسطين والعراق، وأطلق منذ زمن مؤسسات إعلامية رسمية مطبوعة وتلفزيونية موجهة باللغة العربية منذ سنوات.

وقد يسأل المرء لماذا لم ينجح إعلام إيران الموجه للعرب منذ سنين في حين أن الإعلام ضدها بالفارسية كسب سريعا؟ العلة ليست في الوسائل نفسها، بل في المنطقة المقسومة آيديولوجيًا، وبالتالي، مهما فعلت الوسائل الإيرانية، والمحسوبة عليها، لن تجد صدى كبيرا داخل المعسكر الآخر. أما بالنسبة للإيرانيين فإنهم يعيشون حالة مثيرة وجديدة عليهم اسمها التلفزيونات الفضائية والمواقع الإلكترونية التي لعبت دورا أساسيا في تحريك الشارع في الانتخابات وما تلاها من أحداث.

الإعلام لم يفتعل الحدث، بل عكس الخلاف العلني داخل المؤسسة الرسمية والانقسام الظاهر في الشارع الإيراني، وها نحن بعد نحو شهرين والزلزال مستمر. السلطات الإيرانية في حالة إنكار لأنها عاجزة عن فهم الظاهرة التي تورطت فيها معتقدة بمؤامرة ضدها، في حين لو نظرت إلى ما حولها لعرفت أنه الإعلام.

[email protected]