السقف السعودي!

TT

منذ تأسيس الدولة السعودية الحالية والقضية الفلسطينية تشكل نقطة محورية في السياسة الخارجية للبلاد. وليس بسر حجم التأكيدات المتعاقبة للقيادات السعودية في هذا الشأن وعدم قيامها بتقديم أي نوع من التنازلات واستمرار مطالباتها بنفس الثوابت وهي استعادة الأراضي المحتلة مقابل سلام يعم المنطقة.

واليوم كما تأكد من خلال لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون في واشنطن، أعاد الأمير تكرار الموقف السعودي بعدم تقديم أي تنازلات في مجال التطبيع لصالح إسرائيل قبل أن تنفذ الأخيرة انسحابها الكامل لحدود عام 1967، ولم يفوت الأمير سعود الفيصل الفرصة لكي يداعب الحضور بتعليق ساخر يوضح فيه «الحال» قائلا: «تطالبون العرب بالتطبيع وأنتم لا تستطيعون وقف الاستيطان الإسرائيلي!». إصرار الجانب المفاوض الأميركي وقناعته بأن مفتاح الحل هو الضغط على العرب للتطبيع مع إسرائيل هو رؤية ناقصة ولا شك، فاليوم وبسبب الجهد السعودي القيادي بات لدى العرب صوت موحد في شأن السلام عن طريق المبادرة التي تم إطلاقها وتقدم حلا شاملا يتفق عليه كل العرب بعيدا عن «انفرادية» كامب ديفيد و«سرية» أوسلو.

المبادرة كاملة وشاملة وعلانية. المظلمة التي وقعت بحق الأراضي العربية المحتلة، ولَيّ كل القرارات والمواثيق الدولية التي تدين إسرائيل وتعدياتها، تستدعي وقفة صارمة بحق مخالفاتها وإجرامها، مثلها مثل كل الدول المعتدية ضد أراضي الغير، وبالتالي من هنا يجب «تفهم» الحساسية المفرطة والمحققة لدى العرب من فكرة التطبيع دون حل، فالتطبيع يجب أن يكون «نتيجة» وليس مقدمة أو هدية تقدم دون مقابل جاد وحقيقي لإنهاء وضع ظالم طال أمده.

كرة السلام موقعها الآن في الملعب الإسرائيلي، ودون تنازلات جادة ومؤلمة كما يصفونها هناك لن يحدث أي حراك تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. اليوم بات معروفا ما هو المطلوب من إسرائيل دون الدخول في جدل أيهما يأتي أولا البيضة أم الدجاجة؟ هي الدوامة التي ترغب إسرائيل إدخال كل الأطراف فيها.

اليوم هناك سقف سعودي لن تتم أي تسوية تحته، والدور التي تقوم به الدبلوماسية السعودية هو دور توحيد للهدف وتثبيت للرؤية العربية للسلام بشكل عملي وفعال. وهذا الدور لم يقتصر على التفاهم مع الوسيط الأميركي أو تقديم المبادرة الشاملة للسلام، بل تجاوزه ليدخل في تفاصيل العلاقات الفلسطينية البينية والخلافات الشديدة المتفاقمة داخل المعسكر الفلسطيني، وقدم المبادرة تلو الأخرى لمحاولة رأب الصدع وتقريب وجهات النظر بشكل عملي وفعال وملموس.

السقف السعودي «المشيد» حاليا هو مبني أساسا على الحق العنصر الأخلاقي و«الميثاق البشري» الذي تتفق عليها الدول والأمم والشعوب، وعليه فمن الصعب المزايدة عليه أو الرهان ضده، ويبقى عنصر النجاح هو إلزام الأطراف الأخرى باحترام المطلوب منها وتقديم التنازلات وإدراك المسؤولية بحسب التوجه المستقبلي للقضية.

الخيار واضح. للسلام طريق، وبقاء الوضع كما هو عليه نتيجته حرب ودمار وهلاك، فالعرب لن يبقوا صامتين على هدر حقوقهم، وإذا سكت جيل فالأجيال القادمة لن تصمت.

[email protected]