ما كان على بايدن قوله

TT

تعرض جو بايدن للنقد الشديد خلال الأسبوعين المنصرمين لإدلائه ببعض التعليقات الفجة لأحد المراسلين حول المشكلات الداخلية في روسيا ولإشارته إلى أن مصالح ذلك البلد الضعيف لا يجب أن تخيف الولايات المتحدة بقدر كبير. وقد رد المسؤولون في موسكو على ذلك بغضب بالغ، ويصر المعلقون الروس على أن نائب الرئيس قد أظهر الدوافع الخبيئة وغير المسؤولة خلف السياسة الأميركية. ويصف المتحدثون باسم الإدارة ذلك الأمر بأنه زلة لسان أخرى من بايدن.

وليس مفاجئا أن يتم تفسير التعليقات الأميركية حول التدهور الديموغرافي في روسيا واعتمادها الزائد عن الحد على صادراتها من السلع واهتزاز بنوكها، على أنها محاولة من جانب الولايات المتحدة لتخطي الحدود على حساب موسكو، وأن تتوقع النجاة من فعلتها هذه. ولكن يبدو أن ما سأله المراسل لنائب الرئيس لم يكن يدور حول السبب الذي من أجله تفعل الولايات المتحدة ذلك، ولكنه كان يدور حول السبب في اعتقاد الولايات المتحدة أنها تستطيع التقليل من شأن قوة روسيا وردعها وفي الوقت نفسه قيامها بالقليل من العمل.

وفي إجابته عن هذا السؤال، بدت إجابة بايدن كمحاولة لتغيير الموضوع، وهي طريقة غير سهلة لقول إنه ربما ينتهي الأمر بالروس مع كل هذه المشكلات التي تعصف ببلادهم، بإعاقة أنفسهم. وليست هناك حاجة لدى الولايات المتحدة لكي تردع روسيا على أية حال.

وبمعنى آخر، فإن الجلبة التي أثيرت حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تتجاوز أو تتجاهل مصالح روسيا، يجب أن تكون حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تحاول النجاح دون دفع مقابل أو أنها تفشل في الحفاظ على مصالحها. ولكن بغض النظر عن السؤال الذي طرح على نائب الرئيس، فإن إدارة أوباما تحتاج إلى إجابة أكثر إقناعا.

ولشرح أن الولايات المتحدة لا تضع نفسها موضع تصادم مع روسيا، كان من الممكن لبايدن أن يثني على ما تم إنجازه بالفعل. ولكي يطمئن أولئك الذين يعتقدون أن سياسة الولايات المتحدة تسهب في القول وتقتصد في الفعل، فقد كان بمقدوره أن يكون أكثر صراحة فيما يتعلق بما يحتاجه الأمر لتقوية استقلال جيران روسيا.

إن إظهار جدية الإدارة بشأن العلاقات الأميركية الروسية هو الجزء السهل في التعامل مع حديث بايدن. وإلى الآن، فقد رأى السياسيون في روسيا ما يكفي للدلالة على أن سياسة واشنطن لا تتجه إلى كيفية تركيع روسيا. ولا تعتمد الإدارة على تراجع روسيا لكي تفوز بالتعاون معها. لكنها تعتمد على المصالح المشتركة.

وفي زيارته إلى روسيا في الشهر الماضي، أظهر الرئيس أوباما للقادة الروس احتراما كبيرا. وقد ذهب إلى حد بناء علاقة تقوم على التوازن النووي الاستراتيجي، وهو الأمر الذي يشعر روسيا بعظمتها كقوة عظمى. وقد وافق على الربط بين خفض ترسانات الأسلحة والدفاع الصاروخي وهو ما كان ربما يمثل أولوية قصوى للرئيس ديمتري ميدفيديف خلال القمة. كما تساهل في شأن محرج يوضح قصر نظر السياسة الروسية التي يديرها رئيس الوزراء فلاديمير بوتين مع مضي 16 عاما على عدم انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.

ولدى الإدارة قصة جيدة لتخبر بها حول العلاقات الروسية ـ الأميركية التي تحاول بناءها. فهل لدى هذه الإدارة القصة نفسها حول ما تفعله لدعم جيران روسيا؟ من السخف القول بأن ضعف النظام البنكي الروسي أو انخفاض عدد السكان أو أي من المشكلات الأخرى يمكن أن يمنع روسيا من ضرب جورجيا مجددا إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ومع ذلك، فهناك قوى من نوع مختلف تفضل مصالح الولايات المتحدة.

وتعمل معظم دول الاتحاد السوفياتي السابق بالفعل مع حكومات غربية ومع بعضها بعضا من أجل زيادة الاستقلال عن موسكو. فعندما توافق قيرغزستان على أن تستخدم الولايات المتحدة قاعدتها الجوية للوصول إلى أفغانستان على الرغم من الرشاوى الروسية، وعندما ترفض قيرغزستان الاشتراك في قوة التدخل السريع التي ترغب روسيا في تأسيسها، وعندما تدعو تركمانستان الشركات الأميركية والأوروبية إلى المساعدة في تخفيف قبضة غازبروم على صادراتها من الطاقة، وعندما يدعو رئيس أرمينيا رئيس جورجيا (الذي ما زالت تعتبره موسكو مجرم إبادة جماعية) لتلقي جائزة، كل ذلك في غضون أشهر قليلة، فمن الواضح أن المد الجغرافي يتحرك في الاتجاه الصحيح.

ولا يعني ذلك التوجه أن الدعم الأميركي لجيران روسيا غير ضروري، ولكنه يعني أن هناك فرصة حقيقية للنجاح. وسوف يكون ما دعاه دين أشيسون «القوة والطاقة الإضافية لأميركا» حاسما. فهذه الدول ترغب في الوصول إلى الأسواق العالمية التي تحررهم من التبعية الاقتصادية. وهي ترغب في الانتباه الدبلوماسي الذي يسمح لها بمقاومة التدخل في شؤونها الداخلية.

هذه هي المشكلات الفعلية التي تحتاج إدارة أوباما إلى التقدم بشأنها إذا كانت ترغب في دعم استقلال جيران روسيا. وإذا استطاعت حل هذه المشكلات فسوف يحصل المراسلون على إجابات أفضل في المرة التالية.

* الكاتب زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية وأستاذ في الدبلوماسية الدولية في جامعة كولومبيا. وكان سفيرا متنقلا للولايات المتحدة لدى الاتحاد السوفياتي السابق بين عامي 1997 و2001.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»