مطاعم أوروبية بلا خمرة

TT

لم أشاهد في حياتي مثل هذا المطعم «الظاهرة» والذي يقبع في حي عادي بالمدينة الإنجليزية التقليدية مانشستر، ليس اللافت أطباقه الآسيوية الحراقة، ولا ديكوراته البراقة، وليست على قائمة الطعام أصناف غريبة مصدرها خلطات عجيبة، كما أن هذا المطعم ليس لافتا لأن الطعام تقدمه نادلات، غانيات مائسات، مائلات مميلات، بل كل من يخدم فيه من الجنس الخشن، اللافت في هذا المطعم زحام شديد في الارتياد عليه حتى تخال من منظر الناس وهم يتدافعون عليه أنه مكان يوزع أموالا لا مطعما يبيع أطباقا، حتى إنك لو حضرت أوقات الذروة ستضطر للانتظار ساعتين قبل أن يسمح لك بالدخول، وحتى موقف السيارات الكبير يقوم على تنظيم حركة السير فيه موظفون مختصون.

«أم اللافتات» في هذا المطعم أنه مع الأرباح الكبيرة التي يجنيها إلا أنه مطعم لا يقدم خمرة، مع أن رواده ذوو مشارب مختلفة وأجناس متلونة وأديان متنوعة، وبديهي أن أي مطعم في الدول الغربية لا يقدم المشروبات الكحولية فهو بالضرورة وبالحسابات المنطقية سيلغي من حساباته شريحة كبيرة ومصدرا كبيرا لمضاعفة الأرباح، لكن هذا المطعم «الظاهرة» كسر كل هذا الحسابات.

تلامذة رئيس الوزراء أردوغان كسروا في تركيا حسابات مشابهة، لكن ليس على صعيد المطاعم وإنما على صعيد المنتجعات السياحية على الشواطئ البحرية، فقد أدركوا أن تركيا تهيمن عليها عبر العسكر علمانية بلطجية تضيق بالآخر ولو جاء عبر أكثر صناديق الاقتراع مصداقية، فلم يتحرش الأردوغانيون بالمنتجعات السياحية المتحررة والتي تعتبر في عرف العسكر الأتراك إرثا علمانيا مقدسا، وعوضا عن إشعال معارك كلامية حولها قد تستفز الأسد العلماني الرابض في الثكنات، أنشأ تلامذة أردوغان منتجعات سياحية بديلة ضخمة وفخمة وفرت للأسر التركية المسلمة العادية قبل المحافظة بديلا نظيفا خاليا من مناظر العري الفاضح التي تخدش الحياء قبل الدين، وقد أثبت المشروع التركي جدوى اقتصادية مذهلة جعلت الأردوغانيين الأتراك ينشئون هذه الأيام مزيدا من هذه المنتجعات السياحية الكبيرة لتلبية الطلب الشديد المتزايد عليها.

وفي تجربة سعودية لافتة أقدم أحد رجال الأعمال السعوديين، والذي يمتلك سلسلة من كبريات السوبر ماركت السعودية، على حظر بيع الدخان في فروع شركته، مخاطرا بشريحة مدخنة نسبتها في الشعب السعودي ليست قليلة، وبالتأكيد ستفضل التسوق في أسواق أخرى تعرض منتجات الدخان، ومثل نتائج التجربتين المانشسترية والتركية فتعتبر هذه الشركة السعودية من أنجح الأسواق الغذائية وأوسعها انتشارا، وما أجمل التعبير القرآني الذي يختصر وصف مثل هذه الحالات «الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا».

ليس ثمة درس مستفاد من هذه التجارب مثل توفير الوقت في خوض معارك جانبية تجاه أوضاع يصعب التخلص منها أو تغييرها، ليس من مخرجات مناكفتها والتضييق عليها إلا هدر الوقت والطاقات، والتركيز عوضا عن ذلك على إيجاد البديل المناسب، فهو القوة الناعمة الكفيلة بالتغيير.

[email protected]