أين الرجاء؟

TT

مضت أشهر طويلة والأوساط العامة في بريطانيا مشغولة بفضائح الفساد، الوزراء والنواب واللوردات والمسؤولون والإعلاميون الذين التفوا، أو بالأحرى احتالوا على القانون والنظام وحصلوا على مخصصات ومبالغ لم يستحقوها. اضطر بعضهم إلى إعادتها إلى الخزينة. آخرون، ومنهم وزراء، لم يجدوا طريقا غير التنحي عن وظائفهم وتقديم استقالاتهم. فمن شأن الدول المتطورة، أن من يخطئ يعتذر ويستقيل، لا أن يتحدى الجميع ويستمر مغرورا متباهيا يصفق له المكرهون المغلوبون على أمرهم كما يجري في الدول المتخلفة، أقصد أكثر دولنا في الشرق الأوسط. حتى رئيس مجلس العموم البريطاني، قدم استقالته وأعلن عن خروجه من عالم السياسة كليا بنتيجة ما جرى من فضائح.

ارتكب مديرو البنوك فضائح أخرى ولكن من نوع آخر، أفلسوا بنوكهم بسوء إدارتهم وتسببوا في خسارة المساهمين والمودعين لملايين الباوندات وإنهاء خدمات ألوف الموظفين، ولكنهم لم يقصروا في أثناء كل ذلك في منح أنفسهم ملايين الباوندات مكافأة لهم على «حسن أدائهم وكفاءتهم».

وفي كلتا الحالتين اضطرت الحكومة إلى تسديد الخسائر وتغطية السرقات من جيبي أنا بالذات، أحد دافعي الضرائب.

ما الذي حداني إلى دخول هذا الموضوع والكتابة عنه؟ لم أدخل فيه غضبا وثأرا لما أخذوه، وسيأخذونه من جيبي في السنة المالية القادمة. قررت الخوض فيه لألقي هذا السؤال الذي خطر لي في أثناء ذلك: إذا كان هؤلاء القوم، ساسة بريطانيا ووزراؤها ونوابها في المجلس والماسكون بثرواتها واقتصادها، لم يترددوا في تسمين جيوبهم بنهب أموال بلادهم وفلوس رعيتهم وتجاهل حقوق ومصائر إخوانهم من المواطنين البريطانيين، فلماذا ننتظر منهم أن يراعوا حقوق المواطنين العرب أو غير العرب من المساكين القاطنين ألوف الأميال بعيدا عنهم في جبال بشتكوه أو صحارى أفريقيا أو غابات الأمزون أو أهوار العراق؟ لماذا ننتظر منهم أن يلتفتوا إلى ما يعانيه الشعب الفلسطيني؟ لم يلتفتوا إلى حقوقه في عام 1917 عندما أصدروا وعد بلفور حرصا على مصالحهم. لماذا ننتظر منهم أن يعرضوا الآن عام 2009 هذه المصالح للضرر ويفقدوا مناصبهم ومستقبلهم في تحدي اللوبي الصهيوني من أجل حقوق الفلسطينيين؟

لم يترددوا قط في تجاوز قوانين وأنظمة بلدهم واختراقها، القوانين التي وضعوها وسنّوها هم بأنفسهم كنواب في المجلس ووزراء في الحكومة، لماذا ننتظر منهم أن يحترموا وثيقة حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف وميثاق الأمم المتحدة ونحوها من المواثيق التي وضعها فورنرز، ناس أجانب لا يجري في عروقهم الدم السكسوني؟

مثلما ابتلي الرجال بحب النساء، ابتلي الساسة من عهد ثمود وعاد بحب الفساد. ولكن العالم دخل الآن في لجة ضاربة من هذا الفساد منذ أفول الاشتراكية وانتصار روح الفردية والمنفعة الذاتية قبل كل شيء. القط الدولار قبل أن يلقطه غيرك. وهو الشعار الذي تعلمه الآن أولو الشأن في العراق، كما قال لي أحد اللاجئين منه.