محاكمات الثورة

TT

في الصين هيأت المحاكمات للتغيير، وفي روسيا لحقت المحاكمات حركة التغيير بعد محاولة الانقلاب، واليوم الفريق المحافظ في إيران يلجأ إلى التكتيك نفسه لإقصاء منافسيه، لكن ليس من أجل التغيير، بل للمحافظة على سياسته. محاكمات طهران تبدو جزءا من التطهير الذي هو جزء من انقلاب القيادة على معارضيها. بعبارة سياسية أخرى، القصر في مواجهة انتفاضة الشارع. الانقلاب انتقل إلى توجيه التهم القاسية ضد خصومه من أجل القضاء على الفريق الإصلاحي الذي تتم محاصرته باعترافات ملفقة ومأخوذة في السجن.

ومع أن السلطة الإيرانية تظهر وجها أكثر بشاعة في كل مرة تظهر دفعة إضافية من السجناء، من القادة الثوريين والإعلاميين والشباب يدلون بشهادات ضد أنفسهم، فإنها لا تبالي بما يراه الرأي العام المحلي أو الرأي العام الخارجي. الهدف من مسرحية استعراض المعتقلين، والإدلاء بالشهادات تخويف المعارضين وليس إقناع المتشككين.

وفي نفس الوقت سرع الرئيس أحمدي نجاد عمليات طرد كبار الموظفين في جهاز الاستخبارات، وغيره من المؤسسات الحكومية المهمة، لتبدو عملية الانقلاب من فوق أكثر صراحة. نجاد مع قادة الحرس الثوري في عجلة من أمرهم، يريدون أن يحكموا قبضتهم على السلطة، ويتجهون نحو إكمال المشروع بالفوز بالرئاسة، الذي عجل الإصلاحيون به عندما احتجوا على نتائج الانتخابات. تظاهر الإصلاحيون من أجل اقتسام الحكم لكنهم عمليا فقدوه كليا كما يبدو حتى الآن، وهذا يؤكد التفسيرات التي أعطاها المرشحان الخاسران، مير موسوي ومهدي كروبي، اللذان أصرا منذ البداية على أن هناك سعيا من قبل نجاد وجماعته للاحتفاظ بالحكم بالتزوير إن لزم الأمر. أمر تعززه التصريحات اللاحقة من قبل محسوبين على المحافظين الذين قالوا إن الوقت لا يسمح بتسليم السلطة لمن لا يشاركون الثورة مواقفها، في إشارة إلى تصريحات موسوي المعارضة للمشاريع السياسية الخارجية التي يرعاها الحرس الثوري في المنطقة.

هل خسر الإصلاحيون كل شيء؟ لا شك أنهم خسروا الكثير في الوقت الراهن على الأقل. مسرحية المحاكمات هدفها أيضا ملاحقة القادة الإصلاحيين لاحقا بتهم جهزت في اعترافات عناوينها التخابر مع العدو، والتآمر على النظام والمرشد الأعلى، والتآمر لإشاعة الفوضى. الاعترافات التي سمعناها تجهز لمحاكمة القادة الإصلاحيين وربما إعدامهم. ولا نتوقع أن يستطيع أحد من المعسكر الآخر، بما فيهم شخصية قوية مثل هاشمي رافسنجاني، أن يتحدى السلطة التي أظهرت أنيابها وانتقلت من مواجهة صغار المتظاهرين بالرصاص الحي، إلى الإيحاء بأن الوجبة المقبلة هي القيادات نفسها.

ومع أن الرسالة وصلت الجميع، معارضين ومتفرجين، فإن إطفاء عملية التمرد لن تكون سهلة سواء أسكتت القيادات بالتخويف أو بالاعتقال، لأن المعارضة شعبية وحقيقية، الشارع هو الذي قاد التظاهر وتحديدا من الشباب، ثم انضمت إليهم قيادات الأحزاب الخاسرة وليس العكس كما توحي المحاكمات. لن يكون سهلا إطفاء نيران الشارع، وستكون الأوضاع أكثر خطورة لو لجأت السلطات إلى إعدام المتهمين أو اعتقال كبار القادة، فالشارع انقسم في إيران إلى غير رجعة، والفارق بين ما جرى في الصين وروسيا وما يجري في إيران اليوم، أن الذي في السلطة هو الذي قاد التغيير، وليس العكس كما هو في الحالة الإيرانية.

[email protected]