جامعة لقادة المستقبل.. ومستقبل جامعاتنا

TT

في شهر يونيو (حزيران) الماضي، بدأت في الولايات المتحدة، وبالتحديد في «وادي السيليكون» بولاية كاليفورنيا، الدراسة في جامعة جديدة، فريدة في موقعها وتخصصاتها ومناهجها الدراسية المتداخلة، ومتميزة بطلابها وأعضاء هيئة تدريسها وشركائها كشركة «غوغل» ووكالة «ناسا»، ومؤسسة «إكس برايز»، واسم الجامعة قد يكون غير مألوف للكثيرين في عالمنا العربي، لكنها جامعة لإعداد واستعداد جيل جديد من قادة المستقبل للتغيرات العلمية والتكنولوجية الحالية المتسارعة.

اسم الجامعة «سينغيولارتي» جامعة التفرد أو الفرادة أو التفردية، وموقعها على الإنترنت (http://singularityu.org)، وأسسها ويرأسها عالم الكمبيوتر والمخترع الأميركي وأحد رواد دراسات المستقبل راي كورزويل، صاحب الكتاب المهم والشهير الصادر عام 2005 بعنوان «اقتراب عصر التفردية أو الفرادة: حين يسمو البشر فوق البيولوجيا».

وتهدف جامعة «التفردية» ـ كما كتب تحت اسمها ـ إلى «إعداد البشرية للتغيرات التكنولوجية المتسارعة»، حيث تقوم بتعليم وإعداد قادة المستقبل لدراسة وفهم واستيعاب التغيرات المتسارعة غير المسبوقة الحادثة في التكنولوجيات المتقدمة، كالبيوتكنولوجي «التقنية الحيوية»، والنانوتكنولوجي «التقنيات متناهية الصغر»، والذكاء الصناعي والروبوتات، والجينات، والتفاعل معها وتوجيهها لمواجهة التحديات والمخاطر الكبرى التي تواجه البشرية.

ومصطلح «الفرادة أو التفردية» يشير لغويا للشيء الغريب أو الشاذ وغير المألوف وإلى الاستثناء والخروج على القاعدة. ويرجع الفضل في نشر هذا المصطلح إلى عالم الرياضيات وكاتب الخيال العلمي الأميركي «فيرنور فينغ» في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي، فقد أوضح ماهية «الفرادة» في مقال له بعنوان «الفردية التكنولوجيا القادمة: كيف يمكن البقاء على قيد الحياة في عصر ما بعد البشرية» قدمه لندوة أدارتها وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» في عام 1993. ثم جاء عالم المستقبليات والمفكر الأميركي الشهير «راي كورزويل» مبتكر أول جهاز لفاقدي البصر والعديد من الاختراعات، ليؤلف كتابا بعنوان «اقتراب عصر الفرادة»، يذهب فيه إلى التنبؤ بأن التقدم الحادث في مجال «الذكاء الصناعي» سوف يؤثر في مستقبل عملية التطور، وهي نتيجة مفزعة ومخيفة بقدر ما هي مثيرة، وفي هذا الكتاب يستخدم «كورزويل» كلمة «الفرادة» ليشير لحدوث انكسار تاريخي جذري بالغ العمق والتأثير، من شأنه تغيير كل ما يشكل طبيعة الجنس البشري.

«الفرادة» إذن وضع مستقبلي شاذ وغريب لا يخضع لأي قاعدة أو قانون من قوانين التطور والتغير، فهي حالة تتصف بتغيراتها المفاجئة وتحولاتها السريعة المتلاحقة اللامتناهية.

هذه الجامعة الجديدة دعوة للنهوض الفعال والارتقاء المستمر بجامعاتنا، والنظر من جديد لحال جامعات عالمنا العربي العديدة والمتزايدة والهدف من إنشائها ومدى مواكبة مخرجات التعليم للتغيرات العلمية والتكنولوجية المتسارعة، وأعداد الخريجين المتزايدة ومستواهم الأكاديمي والمهارات المتوفرة لديهم والمطلوبة في سوق العمل، ومدى وعيهم بمستحدثات العلوم والتكنولوجيا المذهلة والمتسارعة، والمهارات المتوفرة لديهم للتعامل معها، وكيفية إعداد الطلاب وقادة المستقبل لمواجهة التغيرات المتسارعة في عالم اليوم، وكذلك واقع التحاق الطلاب ببرامج الدراسات العليا في جامعاتنا، ودوافع الإقبال المتزايد عليها، والمعوقات التي تحول دون تفعيل الدراسات العليا في المجتمع.

الخلاصة أن مستقبل جامعاتنا مرهون بالاهتمام بدراسات المستقبل والخيال العلمي الذي يعرف بـ«أدب التغيير»، وكذلك ضرورة الاهتمام بالتخصصات العلمية الحديثة والتغيرات التكنولوجية المتسارعة، وبخاصة في مجالات «البيوتكنولوجي، والنانوتكنولوجي، والروبوتات والذكاء الصناعي، والجينات»، وإعداد قادة للمستقبل يجيدون التعامل مع هذه التخصصات المتداخلة واستخدامها لصياغة حاضر ومستقبل عالمنا وأمتنا.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية