التصويت بالرصاص

TT

ما حدث في الشريط القبلي في باكستان بعد مقتل زعيم «طالبان» الباكستانية بيت الله محسود، من قتل واشتباكات بين المتنافسين على خلافته في الزعامة خلال اجتماع مجلس شورى الجماعة لاختيار خليفة، نموذج صارخ يستدعي التأمل من كل هؤلاء الذين يروجون وهماً أو اقتناعاً بأفكار مثل هذه الجماعات، التي وجدت للأسف أرضية خصبة في الكثير من المجتمعات العربية, تستغل مشكلات أو أزمات سياسية قائمة لتروج لمثل هذه الآيديولوجية تحت غطاء الدين باعتبارها طريق الخلاص.

فكما يبدو في هذه الحالة, وفي حالات سابقة في بلدان أخرى، لا مكان للاختلاف في الرأي, والحسم يتم عادة بالرصاص أو التفجير ووسائل القتل الأخرى للخلاص من الخصوم حتى لو كانوا من نفس الفريق, وهناك دائما مبررات لتحليل الدم والقتل العشوائي الذي يحصد في كثير من الأحيان عشرات ويلحق دمارا كبيرا.

لقد ألحقت مثل هذه الأفكار والجماعات ضررا كبيرا بباكستان ما زالت تعاني منه حتى اليوم محليا ودوليا, فهي من ناحية وضعت الدولة في موقع ضعيف على المستوى الدولي, وخلقت قلقا عالميا من إمكانية وصول هذه الجماعات إلى الترسانة النووية الباكستانية, وفتحت الباب أمام التدخلات الخارجية, أما محليا فالاستنزاف لم يتوقف من اغتيالات إلى إعاقة التفرغ إلى خطط تنمية ورفع مستوى معيشة الناس, وتطوير العملية الديمقراطية.

وليست مجرد صدفة أن الجماعات التي تحمل نفس الأفكار متى دخلت مجتمعا فإن ظهورها عادة ما يصاحبه نهر لا يتوقف من الدم, ومعارك واشتباكات ومحاولات لتصدير العنف إلى الخارج, وهو ما رأيناه سابقا حينما كانت حركة طالبان في الحكم أو حاليا وهي تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء, أو في الصومال التي أضيف إلى مشكلاتها السابقة التي يتحمل مسؤوليتها أمراء الحرب, ظهور جماعة مماثلة في الأفكار تسعى إلى تقويض محاولات إعادة بناء الدولة, وبالطبع ليس لديها غير التفجيرات والرصاص, ولا يهم أن ينزح الناس بعشرات الآلاف أو أن يدمر الاقتصاد المحلي الهش.

ولان مثل هذه الجماعات ليس لديها مشروع للحياة, بمعنى فكر تقدمه للناس لتطوير مجتمعاتهم أو التقدم, بخلاف العنف, فإنه لا يوجد مستقبل سياسي لهم بخلاف العنف, واستغلال سذاجة البعض الذين يقعون ضحية لأفكارهم تحت ضغط ظلم معين أو أوضاع صعبة.

وهم عادة ـ هذه الجماعات ـ لعبة أو أداة تستخدم في صراعات إقليمية أكبر بين دول وأنظمة وأجهزة استخبارات، تجد فيهم وسيلة سهلة الاستخدام ضد خصومها، دون أن تظهر الأطراف الحقيقية مباشرة في الصورة. وفي كل التجارب السابقة ثبت أن هذه الجماعات مثل طلقة طائشة يصعب السيطرة عليها، ويمكن أن ترتد على صاحبها أو راعيها الحقيقي، الذي تصور أنه يمكنه أن يسيطر على النمر فالتهمه في النهاية عندما لم يجد أحدا آخر ليلتهمه.

ما حدث في معركة خلافة محسود في باكستان نموذج على التصويت بالرصاص لجماعات يصعب أن يقال إن لديها فكرا حقيقيا, وهم يوما بعد يوم رغم كل الشعارات التي يطلقونها يثبتون أنهم ليسوا أكثر من تنظيم لقطّاع الطرق.