الغاضبون من الاهتمام بإيران

TT

فتحت المعارك في ايران معارك أخرى على هامشها. في العالم العربي لا دماء ولا سجناء، إنما توجد معارك كلامية متعددة الجبهات حول ما يحدث وراء حدود الجار الايراني. وقد دخلت النخب العربية في الجدل منذ اندلاع الحدث في طهران، في أعقاب رفض المرشحين الرئيسيين الاعتراف بالنتائج وبدء مسلسل المواجهات في الشوارع والسجون. جدل بين النخب العربية، بين مستبشر وآخر خائف، بين متابع وآخر غير مصدق، بين مبرر وآخر مكذب. عمليا النخب انقسمت بين مؤيد ورافض، كعادتها وكما فعلت في التعامل مع أزمات سابقة مثل صدام حسين وحسن نصر الله.

الحدث الإيراني هو حدث عربي بالتأكيد، كما لو كان عراقيا أو لبنانيا أو فلسطينيا، ومن الطبيعي أن يثير الجدل بين العرب بسبب تداخل الطروحات الإيرانية مع الشؤون العربية، ومن الطبيعي جدا أن ينقسم العرب حوله بسبب كثرتهم وألوانهم ومعسكراتهم.

وقد أدهشني المعجبون بالنموذج الايراني وهم يحاولون تبني طروحات دفاعية لا يمكن أن تحجب الأحداث الخطيرة في طهران عن الجمهور العربي العريض، وعن جمهور العالم الذي يتابعها في كل مكان. ويردني في بريدي رسائل تستنكر الاهتمام بإيران. بالنسبة لنا، كمعلقين وصحافيين، طبيعي أن نفعل، فإيران دولة مهمة والحدث خطير جدا. وليس صحيحا أننا ننكر على إيران فشل ديموقراطيتها، لأننا أصلا لم نكن نعترف بأن نظامها ديموقراطي، ولا نؤمن بأن في الدول العربية الأخرى ديموقراطية حقيقية. وبالتالي نتائج الانتخابات ليست قضيتنا. الذي يهمنا أن نفهم صراع السلطة الدائر بشكل حي ومباشر ودموي وعلى لسان الإيرانيين أنفسهم، وبأيديهم، وفي محاكمهم الثورية، وسجونهم.

القلقون من العرب على النموذج الإيراني لا يريدون ذلك لأنهم في واقع الأمر قلقون على أنفسهم. نجاد قشة تمسكوا بها لأربع سنوات. كانوا يعتبرون قادة طهران الأمل والنموذج الذي يحاربون به خصومهم، من عرب وغربيين، ثم فوجئوا أنه نظام مزور بلا سند داخلي. وبدل أن يصدق هؤلاء العرب ما يحدث أمامهم، هم اليوم في حالة إنكار ذاتية تذوب مع حرارة الأحداث في طهران التي كشفت الكثير من المستور المخجل. ولأنهم لا يستطيعون الاستمرار في إنكار التفاصيل اليومية المفجعة والمخجلة لهم صاروا يلجأون إلى الهجوم على المعسكر الآخر.

إنها نفس الحالة التي مروا بها في التعامل مع صدام الذي كان نموذجهم السابق. كان صدام لهم رجل المواجهة مع العدو، والعدو هنا عربي أو غربي. وبعد هزائمه المتلاحقة تبخرت أحلامهم، وبدل أن يعترفوا بخطئهم في اختيار الزعيم الخاطئ أصروا على وجود مؤامرة لتهميش قضاياهم. الإيرانيون في داخل بلدهم لا يريدون زعيما يصفق له العرب أو غيرهم من شعوب الأرض، يريدون زعيما إيرانيا أولا وأخيرا. مفهوم صعب على بعض النخب العربية تقبله، وهم الذين اعتادوا على الترويج للبطولات الأخرى. وهذا ما جعل أنور السادات زعيما شعبيا عند المصريين عندما صار يردد في خطبه ساخرا من العرب الآخرين، إنهم يريدون أن نضحي من أجلهم حتى آخر إنسان مصري.

أتفهم جيدا حجم الخيبة الكبيرة التي أصابت النخبة العربية المتأملة كثيرا في الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن يحارب معهم وعنهم، أن يواجه الأميركيين والإسرائيليين وعرب الخليج والمصريين وغيرهم من الشياطين. لقد حارب صدام عنهم عشرين عاما، أو صدقوا أنه حارب عنهم، حتى انتهى مختبئا في حفرة، وحارب عنهم عبد الناصر عشرين عاما وانتهى مكسورا. واليوم يواجه نجاد، الذي وعد العرب بمحاربة قوى الاستكبار العالمي، حربا مع مواطنيه الذين يتحدونه بشكل مهين على الملأ. هذه هي القصة بإيجاز.

[email protected]