إرهاصات التعافي الاقتصادي في فلسطين

TT

بعد انهيار اتفاقية أوسلو للسلام في عام 2000، والعنف الذي أعقب ذلك الانهيار، لم يكن هناك سوى شيء واحد يمكن أن يقال حول الضفة الغربية: لم يتغير شيء هنا إلا للأسوأ. ولكن الحال لم يعد كذلك ـ وهو ما يثير دهشتي.

فبالنسبة للفلسطينيين، المحاصرين بين استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي والذين يعانون من الاضطهاد القانوني في مدنهم وعدم فعالية قيادتهم السياسية فإن الأمور قد بدأت تتحسن بعض الشيء. ويعود الفضل في ذلك إلى الدائرة الفعالة: تحسن في السياسة الفلسطينية أدى إلى زيادة الاستثمارات الفلسطينية ونشاط التجارة وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تفكيك المزيد من نقاط التفتيش في الضفة الغربية مما أدى بدوره إلى تزايد عدد المسافرين من الفلسطينيين وزيادة النشاط التجاري كذلك.

ولأن الضفة الغربية يخفيها الحائط حاليا عن الإسرائيليين، فقد أصبح الإسرائيليون يعرفون ما يحدث بالداخل من خلال صحافتهم الخاصة. وفي 31 يوليو (تموز)، وبلا شك، أصابت الدهشة العديد من الإسرائيليين بعد قراءتهم الاقتباس الذي نشرته صحيفة معاريف اليومية عن عمر هاشم نائب رئيس الغرفة التجارية بنابلس وهي المركز التجاري للضفة الغربية: «يشعر التجار هنا بالرضا. فالمبيعات ترتفع، وهم يشعرون بأن الحياة تعود إلى طبيعتها. فهناك شعور عام بالتفاؤل».

لا تُسِئ الفهم: فالفلسطينيون ما زالوا يريدون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولتهم في الغد. وهذا لن يحدث. ولكنها المرة الأولى منذ أوسلو التي يتحقق فيها الأمن الاقتصادي في أراضي الضفة الغربية، وهو ما يمكن أن يمنح «فترة ما بعد ياسر عرفات» الفرصة لتأسيس نوع من سلطة الحكم الذاتي، والجيش والاقتصاد وهو ما يعد أمرا أساسيا بالنسبة لتأمين دولتهم المستقلة. فقد يعيد الشريك الفلسطيني في عملية السلام الآن صياغة نفسه مرة أخرى.

ويرجع السبب وراء ذلك التعافي في تجنيد وتدريب ونشر أربع كتائب من قوى الأمن القومي الفلسطيني ـ وهي الخطوة التي تبناها الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض. وتم تدريب هذه الكتائب في الأردن من خلال برنامج تموله الولايات المتحدة، وقد تم نشر ثلاث كتائب بالفعل من بين الكتائب الأربع منذ مايو (أيار) 2008 واستطاعت تلك الكتائب بالفعل فرض الأمن في المدن الفلسطينية: نابلس، أريحا، الخليل، رام الله، جنين، بيت لحم. ورحب سكان هذه المدن بهؤلاء الجنود الذين حلوا محل الجنود الإسرائيليين والعصابات الفلسطينية ترحيبا حارا. ومؤخرا فككت تلك القوات إحدى خلايا حماس في قليقلية ووقعت خسائر بين صفوفهم. وعلى الرغم من أن مقتل مقاتلي حماس قد أثار بعض الاحتجاجات الخافتة، فقد جذبت المراسم التي أقيمت للجنود الذين قُتلوا الآلاف من الأشخاص. ولأول مرة أسمع أن الضباط البارزين في الجيش الإسرائيلي يصفون القوات الفلسطينية الجديدة بأنها قوات محترفة وبارعة.

ويقول الليوتينت جنرال غابي أشكينازي رئيس الأركان الإسرائيلي إنه قد قدم الدعم لهم من خلال سحبه نحو ثلث نقاط التفتيش الإسرائيلية التي كان يبلغ عددها 41 والتي كانت تنتشر حول الضفة الغربية منذ عام 2000 لكي تمنع العمليات الانتحارية الفلسطينية. وكانت نقاط التفتيش ـ التي كان الفلسطينيون ينتظرون فيها لمدة ساعتين لكي ينتقلوا من مدينة إلى أخرى، وكانوا عادة لا يستطيعون قيادة سياراتهم فيها وبالتالي كان عليهم الانتقال من سيارة أجرة إلى أخرى ـ قد خنقت التجارة الفلسطينية. كما سمحت إسرائيل مرة أخرى للعرب بقيادة سياراتهم الخاصة في الضفة الغربية في أيام السبت للتسوق، فتقول ألفت حماد مساعد مدير المركز الفلسطيني للسياسة والأبحاث الاستقصائية التي تعيش في نابلس وتعمل في رام الله: «تستطيع لمس التغيرات التي حدثت. فلم تعد مضطرا بعد الآن إلى الدوران حول رام الله لكي تحضر اجتماع عمل أو مناسبة اجتماعية».

كما افتتحت نابلس مؤخرا أول المجمعات الترفيهية الذي يشتمل على «مدينة السينما» بالإضافة إلى سوق للأثاث المنزلي يتألف من عدة طوابق والذي تم تصميمه لكي يخدم المستهلك الإسرائيلي.

وقد ارتفعت إلى حد كبير أسعار العقارات في رام الله. فتذكر معاريف نقلا عن تاجر أحذية في نابلس قوله: «يأتي الناس من القرى القريبة ومن بعض المدن الأخرى في الضفة الغربية وإسرائيل». ولكن الرجال والنساء لا يستطيعون الحياة على مبيعات الأحذية فقط. والطريقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها القيادة الفلسطينية تعزيز شرعيتها سيكون من خلال الحصول على السلطات السياسية وليس فقط الحصول على السلطات الأمنية في الضفة الغربية ـ أو على الأقل وضع خريطة تشير إلى أنهم يتقدمون على الطريق الصحيح هناك. وقد أخبرني رئيس الوزراء فياض: «يحتاج شعبنا إلى أن يرانا نحكم أنفسنا، وأن يرى أننا لسنا مجرد عاملين للأمن الإسرائيلي». وأضاف خليل شقاقي مستطلع الآراء الفلسطينية البارز أن عباس وفياض يرغبون في «أن يراهم الناس وهم يبنون الدولة الفلسطينية، لا أن يراهم وهم يؤسسون أمنا بدون دولة». وهذا هو السبب الذي أدى إلى«وجوب حدوث تقدم سياسي بالإضافة إلى التقدم الأمني. فبدون ذلك، سوف يضرهم إلى حد كبير».

وعلى أميركا أن تعزز هذه الدائرة الفعالة: المزيد من المال لتدريب القوات الفلسطينية ذات المصداقية، والمزيد من التشجيع للمخاطرة التي تتخذها إسرائيل بالتقليل من عدد نقاط التفتيش، والمزيد من النمو الاقتصادي الفلسطيني وإقامة مفاوضات أسرع في مسألة إنشاء الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية. كما يمكن أن تنضم كل من حماس وغزة لاحقا. فلا تنتظروهم. فإذا شيدناها، سوف يأتون.

* خدمة «نيويورك تايمز»