صيف الحلاقين

TT

كان جدي لأمي حاذقاً في صناعة المال، بعكس جدي لأبي الذي أتقن صناعة الطيبة والورع والتعفف، وكنت بعيداً عن جدي لأمي لأنه لم يكن من قريب اليه سوى نفسه وقامته العملاقة وشاربيه الهائلين وقوته الجسدية الاسطورية آنذاك. وفي المرات القليلة التي اذكر انه عاملنا كأطفال ـ لا كأحفاد ـ كان يجلس في ساحة القرية على كرسي من القش، كمن يجلس على عرش، يدخن نارجيلته نافخاً دخانها مثل قطار متعب. وكان يعرض علينا، اذا حدثنا، لعبة واحدة: «تعالوا نحزَّر بعضنا بعضاً. اذا ربحتم تعطوني بونبون، واذا ربحت تعطوني قضامي». وكنا نقبل المبدأ.

عندما كنت اكتب انني، على جهلي بالارقام، اعرف اكثر من معظم «الناصحين» الاقتصاديين، كان صديق كبير يقول لي، لا يجوز ان تخلط الدعابة بالامور الجدية الى هذا الحد. وتوقفت عن الخلط لكن دون قناعة. وكانت قناعتي الوحيدة ان المستر آلان غرينسبان، الذي يدير اموال الارض، ليس سوى نسخة عالمية من جدي: اذا خسرنا يربح واذا ربحنا يربح. وكلما كان المستر غرينسبان يطمئن العالم وهو شبه نائم، كان يخامرني شعور بأن على هذا العالم ان يخاف.

لم استطع يوماً ان افهم، كيف ترتفع ثروة العالم ترليوناً في ثانية وتفقد عشرة ترليونات، اذا نام غرينسبان وهو يحكي او اذا حكى وهو نائم. وكل الشروحات، التي فهمتها والتي لم افهمها، ظلت بالنسبة اليّ قصيدة بالصيني. او بالشعر الحديث. لم اضحك عندما انهارت اسواق العالم، لأن الكوارث لا تُضحك. وعندما رأيت الناس تخرج جائعة وموظفي البنوك يحصدون الملايين، تذكرت جدّي الآخر، الذي وضع هذه القاعدة الذهبية منذ مائة عام. تربحون فنربح وتخسرون فنثري.

ومن خلف الاسواق اطل المستر مادوف، آخر ظواهر حقبة جورج بوش، الذي كان يدير اسوأ كارتيل مالي وسياسي واخلاقي في اميركا. وانا اقرأ الآن في كتاب «أسطورة السوق المنتشرة» لمحرر الاقتصاد في «التايم» جاستن فوكس. اقرأ واتذكر المستر غرينسبان. واتذكر غبائي الرقمي (ديجيتال) واتذكر ان بعض الذين كانوا ينصحونني بالبيع والشراء، انما كانوا يبيعونني ويشترونني. فأنا، وعشرات الملايين من الاغبياء، سلعتهم المفضلة. والاكثر ربحاً. ولكن لا نستبعد احياناً حسن النية، الناتج احياناً عن جهل عام، يسمى ملاطفةً حسن نوايا، او نوايا حسنة. وقد تكلفك نية حسنة واحدة كل ما وفرت، او ما خيل اليك، ذات ليلة صيف، انك وفرت. فاذا غيرك هو الذي وفّر. لذلك اختار شكسبير احلام نصف الصيف، او عز الصيف، لكي يسخر من الحالمين والخياليين. ولا ادري في اي وقت كان يصادف عز الصيف في لندن، ايامه. فقد روي ان رجلا سأل صديقه اللندني: كيف كان صيفك هذا العام، فأجاب هذا: لا ادري. كنت عن الحلاق.