لماذا تمثل التهديدات أمام الصحف تهديدا لديمقراطيتنا

TT

لا تحتاج إلى الاهتمام بشركات الإعلام أو الصحافيين كي تهتم بحال الأخبار، لأنها لو كانت في مشكلة، وهي كذلك بالتأكيد، فإن هذه البلاد في مشكلة. وهذا هو السبب الذي جعلني وأنا أتحدث في وقت قريب في معهد «إبسن» أدعو الرئيس (الأميركي باراك) أوباما لأن يشكل لجنة للتعامل مع الحالة الخطيرة التي تعاني منها وسائل الإعلام الإخبارية داخل الولايات المتحدة.

وربما يهزأ البعض من فكرة أن رئيسا ودولة مشغولين بحربين وركود يجب أن يضيفا مشكلات وسائل الإعلام الإخبارية إلى طبق مزدحم بالفعل بالهموم. ولكن الطريقة التي يتم بها تقديم الأخبار وجودة المعلومات التي يحصل عليها المواطن الأميركي بخصوص ما يحدث داخل البلاد وخارجها لها وسيبقى لها تأثير عميق على هذه القضايا وعلى كفاءة الحكومة بصورة عامة التي هي من الشعب ومن أجل الشعب.

ولا أدعو بذلك إلى أي نوع من خطط الإنقاذ الحكومية لصالح شركات الإعلام، ولا أدعو إلى فرض أي نوع من الرقابة الحكومية عليها. ولكن أريد أن يشكل الرئيس لجنة غير حزبية لتقييم حالة الأخبار كمؤسسة وصناعة ولتقديم التوصيات من أجل تحسين وبث الاستقرار في كلا الجانبين.

لماذا نقحم الرئيس في ذلك؟ لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي أرى أنها توفر القدر المناسب من الاهتمام الذي يستحقه هذا الموضوع، حيث تقوم المؤسسات الأكاديمية والبحثية بدراسة تلو الأخرى، ومع ذلك لا تصل نتائج هذه الدراسات إلى الأشخاص الذين يجب أن تصل إليهم.

نحتاج إلى نقاش عام حقيقي وموسع عن الدور الذي يجب أن تلعبه الأخبار في نظامنا الديمقراطي للحكم ونحتاج إلى فهم عام أفضل للوضع الهش الذي تعاني منه البنية التحتية الإخبارية الأميركية. ونحتاج إلى معرفة كيف تمضي الأشياء بهذه الطريقة وما نحتاج إلى تغييره.

وقد قللت الفترة التي شهدت عمليات دمج مكثفة بين المؤسسات على مدى الـ25 عاما الماضية، وساعدتها وزكتها عملية رفع القيود من جانب لجنة الاتصالات الفيدرالية، حتى أصبحت هناك مجموعة صغيرة من المصادر يستقي منها معظم الأميركيين أخبارهم. وفي الوقت الذي جرى فيه غربلة الصحافة المستقلة، سقطت المؤسسات الإخبارية المسؤولة عن ذلك بدرجة كبيرة تحت سيطرة مؤسساتية تهدف إلى زيادة الأرباح بصورة ربع سنوية، وهو ما يعني تراجعا في عدد الأشخاص المسؤولين عن جمع الأخبار وإغلاق مكاتب خارج البلاد وإخضاع الثقة العامة بصورة كاملة تقريبا إلى الدافع الربحي.

أضف إلى ذلك، انسابت القيم المؤسساتية الخاصة بتجنب المخاطرة بصورة متزايدة إلى قاعات الأخبار، لتستأصل القيم الإخبارية. وربما كان لدى الكيانات الكبرى التي تمتلك معظم الوسائل الإخبارية الأميركية قضايا تنظيمية ومشتريات وتشريعية متعددة، وعليه يمكن أن تتناقض مصالحهم غالبا مع مصالح المواطنين التي يعني العمل الصحافي بالنسبة لهم تقديم خدمة. ويكون هناك دافع صغير للعمل الصحافي دون خوف أو محاباة حول نفس الحكومة التي يسعى المرء إلى أن يؤثر عليها. وبصورة متزايدة، تعكس الأخبار التي نحصل عليها والتي لا نحصل عليها تضارب المصالح.

والبنية التحتية الإخبارية، التي ضعفت من الداخل بسبب الديناميكية المتآكلة، تواجه خطر الإطاحة بها كلية بسبب تطور منفصل ولكنه ذو صلة: الانهيار العام في صناعة الصحف التي خسرت مصادر عوائد هامة ممثلة في الإعلانات لصالح شبكة الإنترنت.

وبالنسبة للإذاعة والتلفزيون والإنترنت، تعتبر الصحف الأساس الذي تستقر عليه الأخبار «الجامدة»، حيث توفر الصحف صحافيين يعدون مصادرنا الرئيسية والمستقلة الوحيدة في مناطق قريبة مثل مدننا وبعيدة مثل إندونيسيا. ويعلم أي شخص عمل في وسائل الإعلام الأخرى أنه إذا خرجت الصحف من المعادلة فسوف تبلغ مصادر الأخبار المتقلصة إلى حد الانهيار.

إنك لن تفتح تلفازك وتسمع المذيع يعترف بذلك. وما ستراه هو بدلا من ذلك، المزيد من الآراء والتعليقات والتسويق متنكرة في صورة أخبار. وستشهد المزيد من المباريات الكلامية داخل الاستوديو بين موالين لأحزاب يلطف من حرارتها المذيعون.

ولذا فإن كل البرامج التي يمكن إنتاجها بتكلفة رخيصة ودون الحاجة إلى تقديم تقارير حقيقية يزيد من غضب المواطن العاجز على الحكومة التي تبدو أعمالها التي تخلو من تقديم تقارير قوية أكثر بلاهة، وفي عالم يبدو فيه غياب هذا النوع من التغطية مستعصيا على الفهم. إننا بحاجة إلى أخبار تولد الفهم وليس الازدراء وأفكار تدعم الشك الصحي لأعمال السلطة بدلا من السخرية المثيرة للجمود. إننا بحاجة للمعلومات الأساسية التي يرغب فيها الأفراد المستقلون. إن النمط القديم من الصحافة آخذ في الانهيار فيما لا يزال الإنترنت بكل إمكاناته الكبيرة غير مستعد ليحل محلها، ولن يتمكن من ذلك حتى يقدم التقارير الأساسية التي تحظى بمصداقية الأفراد لأنها غابت عن ملاحظتهم.

تلك أزمة تهدد، دون مبالغة، جمهوريتنا الديمقراطية في عقر دارها، لكنك لن تسمع عنها في النشرات الإخبارية ما لم يمكن تقديم الرسالة بصورة لا يكون فيها للشركة الإعلامية خيار سوى إذاعتها مثل النتائج التي أعلنتها اللجنة الرئاسية.

* الكاتب الذي كان مراسلا لقناة «سي بي إس» لمدة 44 عاما. مراسل عالمي ومدير تحرير لـ«دان راذر ريبورتس» التابعة لشبكة «إتش دي إن نت».

* خدمة «واشنطن بوست»