وهم المالكي أن مؤمراة تحاك ضده!

TT

إحدى أهم المعضلات التي تقيّد يد رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، من حشد تأييد داخلي وإقليمي واسع حول طروحاته السياسية تتمثل في قناعته شبه المطلقة بوهم سياسي مؤداه أن أطرافا داخلية وإقليمية عدة تعمل وتخطط في الخفاء للتآمر عليه وإقصائه عن رئاسة الوزارة عبر انقلاب سياسي.

في الواقع، تعود جذور هذا الوهم إلى الأشهر الأولى لمباشرته مهامه كرئيس لمجلس الوزراء بعيد توليه المنصب خلفا لرئيس الوزراء السابق، إبراهيم الجعفري، عام 2006. وكان الجعفري نفسه أول من زرع في تفكيره قصة الوهم عبر تأكيده أن إقصاءه من رئاسة الوزراء لم يأت بقرار من قائمة الإئتلاف العراقي (الشيعي) الموحد، إنما بفعل مؤمراة كردية سنيّة أميركية «دنيئة» شاركت فيها دول إقليمية عدة في مقدمتها تركيا. معروف أن دور إيران في تغذيته بالأوهام السياسية، بينها وهْم الأعداء والمتآمرين، لم يقلّ عن دور رفيق دربه وحزبه الجعفري.

في ما بعد، زاد الوهم غورا في تفكيره السياسي. وكان العامل الأول في هذا الصدد قرار الأميركيين دعم جهوده على صعيد تثبيت الأمن والاستقرار في العراق. وكان المالكي في هذه المرحلة يستعد لإطلاق عملية فرض القانون الأمنية ضد المجموعات والميليشيات غير القانونية، بينها جيش المهدي. فواشنطن التي عرفت مقدار الانعكاسات السلبية التي يمكن أن تتمخض عن هذه العملية الأمنية، خصوصا لجهتها الطائفية، سارعت إلى دفع رئيس الوزراء العراقي إلى إعلان عزمه على تطبيق مصالحة وطنية شاملة تسمح بدمج المكوّن العربي السني في العملية السياسية. في الواقع، لم يهدف الأميركيون من وراء المصالحة موازنة الوضع الأمني الداخلي العراقي فحسب، بل أرادوا أيضا استثمارها لصالح المالكي نفسه، ولتثبيت سيطرته على الحكم، إضافة إلى إنصاف كل المكوّنات المذهبية والقومية في العراق، إضافة إلى فصم العلاقات بين بعض المجموعات العربية السنية وتنظيم القاعدة الإرهابي في محافظة الأنبار وأطراف بغداد. هذا، بالطبع، إضافة إلى رغبتهم في إقناع عدد من الدول العربية المهمة في المنطقة بضرورة دعم الحكومة العراقية وإرسال بعثاتها الديبلوماسية إلى بغداد وتجاوز الخلافات مع رئيس وزرائها.

لكن المشكلة أن وهم الأعداء الداخليين والإقليميين سرعان ما عاد إلى المالكي، خصوصا بعدما نالت عمليته الأمنية نجاحا في البصرة وبغداد ومدينة الصدر. الإشارة الأهم إلى فداحة هذا الوهم أنه، أي المالكي، على عكس توقعات كثيرين، بمن فيهم الأميركيون، لم يستثمر نجاح عمليته الأمنية في اتجاه تنشيط المصالحة الوطنية وإدخال إصلاحات جذرية على العملية السياسية، بل غض نظره عن استكمال المصالحة الداخلية وتعثر في المضي في تطبيع العلاقات مع دول أساسية في قوسها الأمني الإقليمي. كما، تباطأ في توسيع قاعدة حكومته، وأوغل في توتير علاقاته لا مع الأكراد فحسب، بل مع سياسيين عراقيين كبار، في مقدمهم رئيس الوزراء السابق، الدكتور أياد علاوي، ونائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي.

المشكلة في وهم المالكي أنه لا يريد أن يستنتج الأسباب الحقيقية وراء الانتقادات الموجهة إلى حكومته، أو عوامل الجفاء الحاصل بينه وبين الآخرين، داخليين وخارجيين. فهو، على سبيل المثال، لا يرى أن هذه الأسباب والعوامل تعود إلى نواقص هائلة تكتنف سياساته، إن على صعيد تعامله الانتقائي مع الدستور العراقي الدائم، أو على صعيد تخليه عن مجالس الصحوات، أو على صعيد تباطؤ حكومته في تقديم الخدمات ولجم فرق الموت ووضع حد للامتيازات الطائفية.

كما أنه لا يعتقد أن نجاحاته في ميادين أمنية محددة قد لا تكون حالة دائمة إذا لم ينفتح بشكل جدي على المكونات العراقية ويوسع قاعدة حكومته ويتخلى عن طموحاته في الانفراد بقيادة الدولة. كذلك لا يرى أن الآخرين، عراقيين وغير عراقيين، متخوفون بالفعل من التمدد اللافت للنفوذ الإيراني في أرجاء العراق، ومتخوفون أيضا من تردي العلاقات العراقية مع الدول الخليجية. في الواقع، لا يولي المالكي اهتماما بهذه الأساسيات، إنما يستأنس بالجلوس إلى مستشاريه والبحث معهم في أوهامه، وفي مقدمها وهمه القاتل المتعلق بوجود مؤامرة سياسية تحاك في الظلام لإقصائه عن الحكم. وهذا عين المأساة.

* باحث وكاتب كردي عراقي ووزير ثقافة الإقليم سابقا