أُقبّلها أو لا أُقبّلها.. هذه هي المسألة!

TT

يقول هاملت:

«أكون أو لا أكون: هذه هي المسألة.

هل من الأشرف أن يعاني العقل

من نبال وسهام القدر الغادر،

أو أن يحمل سلاحا أمام بحر الأهوال،

ويلقي بنفسه فيه؟»

تحولت مقولة أكون أو لا أكون الشهيرة في تصديق آية الله خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، على رئاسة أحمدي نجاد إلى «أُقبّل أو لا أُقبّل»! إن تقبيل يد المرشد الأعلى سلوك مهم للغاية وله رمزية تظهر إخلاص إيمانك بولاية الفقيه.

وقد كانت لدي تجربة خاصة، في الأسبوع الأخير من الفترة الثانية لحكومة هاشمي رافسنجاني، وقد ذهب جميع أعضاء مجلس الوزراء ومنهم أنا لمقابلة آية الله خامنئي. وفي نهاية الجلسة، رأيت ما يزيد على 30 نسخة من المصحف موضوعة فوق منضدة صغيرة. وكان خامنئي واقفا، وكان من المفترض أن يذهب الجميع إليه ويقبلوا يده، ويأخذوا نسخة من تلك المصاحف. وكانت هناك كاميراتان تليفزيونيتان مستعدتان لتصوير المشهد.

وجاء الدور علي! وبالنسبة لي كان من الصعب أن أُقبّل يده أو يد أي شخص آخر. وقد قبّلت يد الإمام الخميني، لأنه كان قديسا وزاهدا بالنسبة لي، وكنت شابا صغيرا! واتجهت نحو خامنئي، وتناولت القرآن الكريم وقبّلت المصحف، وليس يد خامنئي. وكانت هناك ابتسامة رقيقة على شفتيه وعلى شفتيّ! وعدت إلى مكاني. وشعرت بأن الجميع ينظرون إلي. ربما ظنوا أنني سياسي غبي وأنني دمرت مستقبلي على الساحة السياسية في إيران، أو أنني ما أزال صغيرا للغاية!

وبعد أسبوعين، تم تقديمي إلى البرلمان كمرشح لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. وكان الأمر مذهلا، وقالت لي السيدة فياض بخش، التي كانت عضوا في البرلمان عن طهران، إنها قررت أن تصوت ضد اختياري مرشحا وزاريا. وسألتها لماذا؟ ما السبب؟ فقالت على الفور: «لأنك لم تُقبّل يد خامنئي، وبدا لي أنك لا تؤمن بولاية الفقيه!»

فقلت لها إنه من دواعي سروري إذا عارضت ترشيحي، وستسنح لي فرصة رائعة للتعبير عن وجهة نظري بشأن تقبيل اليد وسألتني وعيناها تمتلئان بالتساؤلات: «ماذا ستقول؟»

فقلت: «سأقول إن الإمام الصادق نصحني بألا أُقبّل يد أي شخص».

وفي أصول الفقه، يوجد فصل تحت عنوان: التقبيل!

«1- عن أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي..، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لكم لنورا تعرفون به في الدنيا، حتى أن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته.

2- عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا [يد] رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله).

3- عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي بن مزيد صاحب السابري قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فتناولت يده فقبّلتها، فقال: أما إنها لاتصلح إلا لنبي أو وصي نبي».

بالإضافة إلى ذلك، فإن تقبيل اليد تقليد مسيحي. ومن المؤسف، أنه بدون الانتباه إلى أصول ذلك التقليد، أصبحنا نحن المسلمين نتبعه. وعلى سبيل المثال، في المسيحية، لا يقبّل المسيحيون يد البابا، بل يقبّلون خاتمه، وهذا الخاتم يرمز إلى القديس بطرس. ويعد تقبيل خاتم البابا أو بيسكاتيرو باللغة الإيطالية، تقليدا رومانيا كاثوليكيا تم توارثه على مدار القرون. ويحصل كل بابا يتم تنصيبه حديثا على خاتم ذهبي مكتوب عليه اسمه في حروف بارزة، وصورة القديس بطرس في قارب صيد. ويُعتقد أن البابا هو الوريث الروحي لبطرس الرسول، والذي يعرف بأحد «صيادي الناس» (إنجيل المسيح حسب البشير مرقس، الأصحاح الأول، 17). وفي الأصل كان الخاتم يستخدم في ختم أوراق، كان يطلق عليها تاريخيا، وثائق البابا. ولكن انتهى ذلك العرف في عام 1842 عندما حل محل الخاتم الشمعي الختم المطبوع. واليوم، يعرب أتباع العقيدة الكاثوليكية عن احترامهم للبابا المتوج بالانحناء أمامه وتقبيل خاتمه.

قالت لي النائبة: «حسنا! لقد اقتنعت، أنت لا تحتاج إلى الحديث عن الأمر». ولكن لم تتوقف قضية التقبيل. وفي أحد الأيام، عندما ذهب آية الله خامنئي إلى قم، زار آية الله مصباح يزدي في منزله. وعندما كان آية خامنئي في طريقه إليه، كان مصباح ينتظره عند الباب، وكان حدثا فريدا. فعندما وصل خامنئي، ركع مصباح وأمسك بقدمه وأخذ يُقبّل حذاء خامنئي. وأذاع معهد مصباح في فخر فيلما يصور الواقعة! ووفقا لرأي مصباح، كان ذلك كناية عن إيمانه بولاية الفقيه، فالجميع لا شيء أمام الوالي الفقيه. وهو كل شيء، وجميع الناس لا شيء.

وعندما انتخب أحمدي نجاد رئيسا في أول فترة له (بغض النظر عن دور الحرس الثوري في فوزه في الانتخابات، ورسالة هاشمي العلنية)، قبّل أحمدي نجاد يد خامنئي، ثم عانقه خامنئي في لطف وقبّله على خده.

ولكن في هذه المرة، كان سيناريو التقبيل مختلفا. فلم يُقبّل أحمدي نجاد يد خامنئي. ولم يعانق خامنئي أحمدي نجاد أو يُقبّله على خده. وبدا لي أن هناك ضبابا كثيفا يخيم على العلاقة بين الاثنين.

وبالإضافة إلى ذلك، كان الاحتفال بالتنصيب مثيرا لكثير من التساؤلات. أين كان هاشمي رافسنجاني؟ وأين كان خاتمي، وناطق نوري، وموسوي، وكروبي، بل وحتى مصباح يزدي (الذي يعرف بأنه الأب الروحي لأحمدي نجاد)؟

ومن جانب آخر، في اليوم ذاته، تجمع الناس وهتفوا «أين أصواتنا؟» في ميادين آزادي وبحرستان وواناك.

وفي حفل التصديق على الانتخاب، كان الجميع يسمع شعار الشعب وهو يهتف: أين صوتي؟ ولذلك، كان الأمر يشبه كثيرا مراسم جنازة للقُبلة المنسية.