أحمر وبالخط «العبيط»!

TT

بداية أرغب في القول وبوضوح شديد جدا لا لبس فيه إنني لست من أنصار الثورة الإسلامية في إيران ولا أتناول قضاياها بموضوعية، إذ أعتقد جازما أن النهج السياسي الخارجي الذي اتبعته الثورة ونظامها الذي كرس لأجلها بعد ذلك لأجل تصدير أفكارها، كان وبالا هائلا على المنطقة وولد جيوبا متفرقة من الفتن والتشرذم.

وليس أبلغ دليل على ما ذكرته إلا بالعودة للذاكرة والتدبر في مشاهد مظاهرات الحج التي كانت تدعم من إيران وأدت إلى وفاة العشرات من الأبرياء جراء المواجهات الدموية، وطبعا ما تلا ذلك في مواقع مختلفة حول العالم العربي من زرع للانشقاق والفتن عبر التدخل الواضح والعلني والمباشر في الشؤون الداخلية للغير.

إيران تحاول أن تروج لنفسها أنها نموذج ديمقراطي فريد في المنطقة (وهناك من هو مقتنع بتلك الفكرة ويروج لها من خارج إيران أيضا!)، ولكن إيران في واقع الأمر تنضم مع إسرائيل ولبنان لتكون النماذج «الغريبة» للديمقراطية المبتلاة بها المنطقة، فإسرائيل هي ديمقراطية «مفصلة» فقط لليهود، وخصوصا أنها الآن تصر على أنها دولة يهودية.. فقط، وبالتالي على كل مواطنيها الآخرين من مسلمين ومسيحيين ودروز وهندوس وبهائيين أن يرضوا (بالإجبار) أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية. ولبنان ديمقراطية طائفية تقسم للثماني عشرة طائفة لا علاقة لها البتة بمن حصل على الأغلبية وفاز أبدا. وإيران لها نموذجها هي الأخرى، «دمى» تترشح للرئاسة ويتسلى الكل بمهرجان انتخابات «مهضومة»، بينما يبقى المحرك الأعلى لهم في مكانه لا مساس له، عاملا بمبدأ «أنا مرشدكم الأعلى وإياي فأطيعون»، فهل هذه ديمقراطية؟

تابع العالم ولا يزال تداعيات الانتخابات الإيرانية والخلافات الداخلية الحادة جدا التي أسفرت عنها، والتي أدت إلى وجود شروخ خطيرة داخل جدار الثورة، وظهور شخصيات ثقيلة كانت تقليديا من «عظام الرقبة» في النظام تقف وبقوة في صفوف المعارضة. وبدلا من أن تركز إيران والدولة فيها على معالجة الأخطاء ومراجعة المشكلات القائمة والعمل على ردم الهوة بين المعارضة والحكم، وجهت عتادها وقوتها إلى أبنائها بشكل وحشي وعنيف، ولكن الأمور لم تقف إلى هذا الحد، فهي الآن ومنذ فترة ليست بالقليلة أطلقت العنان لمحطتها الناطقة باللغة العربية لتهاجم السعودية بعنف وضراوة عبر نشر مجموعة من الافتراءات والأكاذيب غير القابلة للتصديق. فتارة تضع السعودية على «قائمة» أكثر عشر دول إرهابية في العالم، وتارة أخرى تذيع نبأ محاولة انقلابية في السعودية، ومرة أخرى تتحدث عن اعتقالات بحق مجاميع في مكة والمدينة، وغير ذلك. هل هذه أخلاق ومبادئ الثورة المراد تصديرها؟ سؤال وجيه!

إذا كانت الأوساط الإعلامية تتحدث منذ فترة عن برنامج تلفزيوني وهو «أحمر وبالخط العريض»، الذي يقدم على شاشة الـ«L.B.C» اللبنانية، وتحديدا عن حلقة «المجاهر بالمعصية»، والذي شوهد فيه شاب يتحدث عن الرذيلة والفاحشة، وسمحت له المحطة، ولكن ما تقدمه المحطة الإيرانية هو أيضا بمثابة «الجهر بالكذب وإعلان الفتن»، والقضية في هذه الحالة تتخطى التعاطي مع هذه الوسيلة الإعلامية والتحقيق والتمعن في سقطتها التحريرية والإخبارية، ولكن الموضوع أهم وأخطر، فهو يقدم سقوطا أخلاقيا خطيرا لمنظومة سياسية تتحدث عن نفسها دوما بأنها تمثل الإسلام وتحاول دوما القول بأنها الداعم الأول لخط المقاومة، دون أن توضح أن دعمها المزعوم للمقاومة بات يأتي على حساب استقرار وأمن دول المنطقة، ولكن يبدو أن هذا تفصيل لا يهم بالنسبة لإيران.

إيران، ومع الشروخ المتزايدة داخل جدار ثورتها، يبدو أن التخبط الذي أصابها لم يعد يعرف حدودا ولا سقفا، وما تفعله قناتها التلفزيونية العربية (وغيرها من أبواق النظام) ما هو إلا إفلاس جديد يحسب ضدها وليس لها. إيران لديها كم غير بسيط من المشكلات الداخلية، وهي في ازدياد، ولو التفتت إليها بتركيز جاد دون التدخل في شؤون غيرها بالشكل التي هي عليه لأراحت وارتاحت.

[email protected]