إيران: الحاجة إلى لحظة يلتسن

TT

بعد حفر فجوتيهما المنفصلتين، تستأنف الفصائل المتنافسة في الصراع على السلطة داخل طهران عملية الحفر. ويستعد معسكر خامنئي ـ أحمدي نجاد لعمليات قبض واسعة وعمليات تطهير وربما عمليات إعدام. وما زال مربع المعارضة الذي يتزعمه هاشمي رفسنجاني مقطبا جبينه على الهامش.

واليوم، أصبحت الفجوتان أكثر عمقا. وربما تحتاج إيران إلى لحظة يلتسن.

ولكن ما هي لحظة يلتسن؟

في يوم الثلاثاء المقبل ستحل الذكرى الثامنة عشرة لما يُعرف باسم انقلاب أغسطس (آب) عندما قام فصيل داخل النظام السوفيتي، يتزعمهم جينادي ياناييف، بالاستيلاء على السلطة تحت مسمى «إنقاذ الثورة واستعادة رؤية لينين». وقد أدى ذلك إلى انتفاضة ضد النظام الحاكم.

وفي البداية، حاول قادة الانتفاضة محاربة الانقلاب عن طريق وصفه بأنه «معادٍ للثورية» واتهامه بأنه خيانة لـ«رؤية لينين».

وكان ينظر الكثيرون في العالم الخارجي إلى النزاع على أنه الأخير في سلسلة من النزاعات ميّزت تاريخ الاتحاد السوفيتي. وعقد الرئيس الفرنسي حينئذ فرانسوا ميتران مقارنة بين ما حدث في ذلك الصيف وما حدث في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي عندما تحدى ثوريون مثل بوخارين وتروتسكي ستالين.

ولكن سريعا أدرك شخص واحد أن هذا لم يكن قتالا على «التفسير الصحيح لفكر لينين» وأن تحدي الانقلاب المسلح باسم «الإرث الثوري» لن يفضي إلى أي نتيجة. وكان هذا الرجل هو بوريس يلتسن، وهو شيوعي وعضو في اللجنة السياسية للحزب الشيوعي السوفيتي. وكان يلتسن قد تعلم درسين اثنين.

الأول: أنه في ظل نظام يزعم الشرعية الثورية يكون لهؤلاء الذين يحوزون السلطة فرصة أفضل للتظاهر بأنهم حرّاس المعبد الحقيقيون. وكان لبوخارين وتروتسكي فرصة ضعيفة لإقناع أي شخص بأنهما، وليس ستالين، الذي كان يشغل منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي، الممثلان الحقيقيان للثورة البلشفية ومبادئ لينين.

ويعرف أي شخص على اطلاع بتاريخ الثورة البلشفية أن بوخارين وتروتسكي كان لهما دور أكبر من ستالين. ولكن، في الوقت الذي كانا يخسران فيه شعبيتهما كان يبرز ستالين كحارس للمعبد الذي مثّل الثورة.

والدرس الثاني هو أن الانتفاضة لم تكن تدعم الثورة والإرث اللينيني المفترض ولكنها كانت ضدها.

وفي عام 1991، كان معظم الروس يرغبون في طي صفحة الشيوعية والتحرك للأمام. لم يكونوا يهتمون بمَن قدّم الرؤية الصحيحة للشيوعية. ولم يكونوا يريدون أي صورة منها. ولم تعد بالنسبة إليهم الثورة ولا الشيوعية شيئا مقدسا. وكانوا يعلمون أن الثورة جلبت لهم عقودا من النزاع والرعب والاضطهاد والحرب والبؤس. وكانوا يعرفون أيضا أن لينين، بعيدا عن شخصية الرجل الحكيم التي زعم بها كلا الجانبين، كان العقل المدبر للاستبداد والرعب. ولذا، فإنه في 22 أغسطس (آب) عندما بدأ الجيش السوفيتي يجوب داخل موسكو في الدبابات للقضاء على العصيان المسلح، عرف يلتسن ما يجب أن يقوله للجنرال غراتشيف، القائد المسؤول.

وفي محادثة قال غراتشيف ليلتسن إن قواته قادمة لـ«حماية الثورة ضد أعدائها». وكانت إجابة بوخارين وتروتسكي: «كلا، نحن الحرّاس الحقيقيون للثورة وليس ياناييف وعصابته!» وكانت هذه الإجابة مصدر سخرية، ومضت الدبابات وتم القضاء على العصيان المسلح. ومع ذلك، بيّن يلتسن أن الجيش يجب أن يحمي الشعب ضد الثورة التي خططت لذبحهم في الطرقات. واستطاع غراتشيف، وهو ليس الأذكى بين الجنرالات السوفيتيين، فهم ذلك. كان قد طلب منه أن يرسل دباباتهم ضد المواطنين، وهذه حقيقة ملموسة، دافعا عن الثورة، وهي شيء مجرد. وبمجرد أن تبين أن القتال لم يكن على تفسيرات متضاربة للينينية، أدرك غراتشيف وضباطه وفي النهاية رجاله أن الخيار كان بين الشعب الذي يريد التغيير ومضطهديهم الذين رفضوا الإصلاح باسم الأيديولوجية.

وبعد أن عجز عن قتل المواطنين في الشوارع، انهار النظام السوفيتي الحاكم مثل مجموعة من الكروت. وفي موسكو كان مواطنون يصيحون: «عاد الغراب إلى عشه!» (تعني كلمة غراتشيف الغراب في الروسية).

وتوضح تجربة إيران منذ سيطرة الخمينية على السلطة عام 1979 نفس الفكرة. فقد فشلت جميع المحاولات لتحدي النظام باسم الثورة و«الخمينية الحقيقة».

ولم يتمكن آية الله العظمى كاظم شريعتمادري، على الرغم من مكانته الدينية، من هزيمة آية الله روح الله الخميني في منطقة نفوذ الأخير.

وكان مهدي بازركان، رئيس الوزراء الأول للخميني، قد عمل لفترة أطول من آية الله لصالح الثورة. ولكنه لم يستطع الانتصار عن طريق التظاهر بأنه خميني أكثر من الخميني نفسه.

وعانى أبو الحسن بني صدر، الرئيس الأول للنظام الخميني، من نفس المصير ولم يستطع أن يهزم الخميني باسم الخمينية.

وتحدّت تنظيمات أخرى مثل مجاهدي خلق وحزب توده الشيوعي وغيرها من التنظيمات الراديكالية نظام الحكم الخميني باسم الثورة وتم إزالتها. ألا نحتاج إلى ذلك آية الله العظمى حسين علي منتظري وتراجع شعبيته؟

فكر للحظة.

لو كان الصراع داخل إيران على من هو الممثل الأفضل للخمينية فمن سوف يكون خيارك: علي خامنئي أم رفسنجاني؟

وإذا كنت تريد اختيارا «ثوريا» ينفث نيرانا وكبريتا فمن يكون خيارك: مير حسين موسوي أم محمود أحمدي نجاد؟

يصبح موقف الرباعي أكثر تعقيدا عندما نتذكر أنهم كانوا في موقع المسؤولية خلال 24 عاما من الثلاثين عاما التي تمثل عمر النظام الخميني. هل يتصارع الإيرانيون ويموتون لأنهم يريدون العودة إلى الوقت الذي كان فيه موسوي رئيسا للوزراء، أم الوقت الذي كان فيه رفسنجاني وبعد ذلك خاتمي في منصب الرئيس؟ لا يحتمل بدرجة كبيرة.

دون لحظة يلتسن، فإن العصيان الحالي سوف يكون له نصيب قليل من النجاح على الرغم من أنه أكبر وأعمق من الثورات السابقة.

لن يصدق الحرس الثوري والباسيج أن الرباعي يقاتل من أجل «النظام الصحيح لولاية الفقيه» عندما يصفه ولي الفقيه الحالي بأنه خونة.

ويلتسن الإيراني المزعوم سوف يكون لديه رسالة بسيطة: لقد أحضرنا النظام إلى مرحلة يقتل فيها بعضنا بعضا في الشوارع. وهذا هو الوقت كي نتجاوز ذلك ونتحرك إلى ما بعد الأيديولوجية التي أثمرت ذلك. الثورة، سواء كانت جيدة أم سيئة، قبس من الماضي. والخميني، سواء كان جيدا أم سيئا، مات منذ وقت طويل. ونحن على قيد الحياة ويجب أن نتعلم كيف نعيش معا. ولن يتيح لنا ذلك سوى نظام تعددي. وربما لن تكون هذه الرسالة كافية لإقناع «غربان إيران» بأن يعودوا إلى أعشاشهم. ولكنه سيكون أكثر مصداقية من زعم الرباعي أنهم يدافعون عن الخمينية ضد خامنئي وأحمدي نجاد.