محتجز الرهائن الإيراني بات اليوم رهينة

TT

وسعت السلطة الثيوقراطية الإيرانية الأسبوع الماضي من إجراءاتها التعسفية تجاه المعارضة، لتنتقل من قمع المعارضين إلى قمع أبرز رجالات الثورة السابقين ممن شهدوا مولد الجمهورية الإسلامية. ربما تكون حملة التطهير الجديدة ذات دلالات سياسية أكثر عمقا من الحملة ضد أتباع مير حسين موسوي: وهي أن الثورة تأكل أبناءها المخلصين.

تنبأ محسن ميردامادي بكل ذلك، وحذر منه قبل خمس سنوات، لكن الشيء الوحيد الذي لم يتوقعه هو دوره، فقد كان جالسا في المحكمة الثورية مرتديا ملابس السجن الرمادية كواحد من ضحايا الثورة.

ولقد تابعت ميردامادي منذ حادث الاستيلاء على السفارة الأميركية عام 1979، وفي عام 1981 وقفت في الجزائر أسفل الطائرة التي أقلت 52 دبلوماسيا أميركيا إلى الحرية، وتعجبت من نوعية الأشخاص الذين احتجزوهم واستجوبوهم، وعاملوا الرهائن بوحشية طيلة 444. كان ميردامادي حينها أحد قادة الحلقات الثلاث. ويتذكره جون ليمبرت أحد الرهائن السابقين واصفا إياه بـ«الشرير إلى حد بعيد» و«لقد قابلته قبل عقد». تطور ميردامادي، شأنه شأن الكثيرين ممن واكبوا الثورة في مهدها، خلال عقدين من شاب راديكالي حانق إلى شخصية واقعية جريئة، ففي عام 2000 ترشح للبرلمان الإيراني كإصلاحي.

وقال في مقر حزب جبهة مشاركة إيران إسلامي الذي يبعد مبنيين فقط عن السفارة الأميركية القديمة: «كان هدفنا الأسمى الاستقلال عن النفوذ الأجنبي وتشكيل دولة إسلامية، لكننا اليوم نؤكد على الحرية. لقد قمنا بثورة من قبل لكننا اليوم نحاول التطور».

نجح ميردامادي على نحو مدهش في السيطرة على رئاسة لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، استغلها في الدفاع عن الانفتاح السياسي وحرية التجمهر وحرية التعبير وحقوق المرأة والنشر لكن في إطار حدود القوانين الإسلامية. قام ميردامادي بتدشين صحيفة «النوروز» ـ أو العام الجديد ـ التي دافعت عن حكم القانون وتحدت السلطات. في نهاية الأمر اتهمته السلطات بإثارة الفتن والتخريب وتحريض قطاع الطرق على تقويض النظام العام، وترويج التفسخ الأخلاقي، ومن ثم منعت الجريدة.

وعلى الرغم من عدم اعترافه بالخطأ في أزمة الرهائن، فإن ميردامادي حض على إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، حيث قال في عام 2002: «كانت عداوتنا مع الولايات المتحدة في السابق تتسق مع مصالحنا، لكن الأمر الآن لم يعد كسابقه، فمصلحتنا الآن تتلاقى مع الولايات المتحدة». يمثل ميردامادي القوات التي تحمل الثورات إلى شكلها النهائي فيما أسماه كران برينستون في كتابه «تشريح الثورة: التماثل للشفاء»، لكن من الواضح أن ذلك تمادى بعيدا جدا، فعندما تقدم للترشيح للبرلمان الإيراني مرة أخرى عام 2004 تم رفض طلبه من مجلس الأوصياء على الرغم من شهرته، كما تم رفض طلبات عشرات من الشخصيات البارزة وما يقرب من 2.500 شخص آخر. قاد ميردامادي حملة استقالات من نواب البرلمان شارك فيها 124 برلمانيا يشكلون نصف المجلس تقريبا كنوع من الاحتجاج. وقال لي بعد أشهر قليلة من ذلك: «كانت تلك هي البداية لما يخشى أن يتحول إلى انقلاب سلمي».

في عام 2006 أصبح رئيسا لحزبه، أكبر فصيل إصلاحي، وفي عام 2008 دعم موسوي للرئاسة. وفي يونيو (حزيران) كان من أوائل الشخصيات التي تعرضت للاعتقال عندما اندلعت الانتفاضة. وفي الوقت الذي كان فيه ميردامادي في البرلمان أصدرت منظمة العفو الدولية 13 طلبا عاجلا تطالبه فيها بإطلاق سراح المسجونين السياسيين. لكن المنظمة عادت الشهر الماضي لترسل مناشدات بشأنه هو كمعتقل سياسي. جلس ميردامادي في المحكمة الأسبوع الماضي وسط 100 معتقل آخرين، من بينهم نائب الرئيس السابق وأعضاء مجلس وزراء ومستشارون رئاسيون ورؤساء للبرلمان. وقالت وكالة الأنباء الإيرانية إن البعض قد يواجهون اتهامات بالحرابة، وهو ما يعني مواجهتهم عقوبة الإعدام. وتعد أفضل التوقعات في محاكمتهم أن يتم العفو عنهم بعد الاعتراف مع حرمانهم من ممارسة العمل السياسي وحل أحزابهم.

المفارقة هي أن عملية التطهير التي تجري الآن لمن يزعم بتلقيهم دعما خارجيا «الثورة المخملية» ربما تكون في الحقيقة عملية محفزة. فخطاب أحمدي نجاد في حفل تنصيبه يوم الأربعاء كان مليئا بتهديد أجوف، فقال في حديثه للبرلمان: «يجب أن نلعب دورا كبيرا في إدارة العالم». لكن النظام يبدو أكثر إحباطا مع كل أسبوع يمر، فانتشرت عشرات الآلاف من القوات الأمنية في شوارع طهران للحفاظ على الأمن يوم التنصيب. وتظهر الأفلام التي تنشر على موقع «يوتيوب» احتشاد الإيرانيين على سلم مترو الأنفاق صائحين «الموت للديكتاتور» لكي يسمعها الجميع. واتساع استقطاب المجتمع سيجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة لأحمدي نجاد الحكم خلال دورته الثانية.

وقال ميردامادي متنبئا بالانتفاضة الحالية: «أهداف الثورة نُسيت عندما أصبحت الثورة أكثر ديكتاتورية، لكن الإيرانيين يرغبون في التغيير».

* روبين رايت، مراسلة «واشنطن بوست» السابقة، ودارسة السياسة العامة في مركز وودرو ويلسون الدولي للدارسين، ومؤلفة أربعة كتب عن إيران.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»