الزميل والصديق والند

TT

كان وزير خارجية لبنان السابق فارس بويز دون الأربعين عندما عينه والد زوجته، الرئيس إلياس الهراوي، وزيرا للخارجية. ويأتي المحامي بويز من بيت سياسي راق هو أيضا، فقد كان والده، المحامي نهاد بويز، عضوا في «الكتلة الوطنية»، الحزب الذي لم يبع ولم يشتر في سوق السياسة اللبنانية.

ولم ينجح نهاد بويز، في تاريخه السياسي الطويل، في الصعود من النيابة إلى الوزارة، في حين ها هو نجله يصبح وزيرا للخارجية ولا يزال في السابعة والثلاثين. وما بين الفرح بالمنصب وصغر السن، أراد بويز أن يمارس المهنة بحرفيتها فأخذ يقول، مثلا: «اجتمعت إلى زميلتي مادلين أولبرايت» أو إلى «ندّي وزير خارجية بريطانيا»، أو إلى الند الآخر وزير خارجية إيطاليا، أو الند الآخر وزير خارجية الاتحاد السوفياتي. وطاب له الحديث على هذا المنوال، إلا إذا كان اللقاء مع وزير خارجية سورية، يومها الأستاذ فاروق الشرع. عندها كان يستبدل «الند» بمعالي الوزير.

يستكثر بعض الزملاء الألقاب على أصحابها، عندما يكبرون في المهنة، وخصوصا في العمر، ويصبح كل ذي تاريخ أو مقام أو سمعة «الصديق فلان» أو «الأخ فلان» على طريقة الثوار الذين يلغون الكلفة بين الكبار والصغار. وقد كان الجميع ينادون ياسر عرفات بالأخ أبو عمار، لكنه كان الوحيد القادر على إرسالهم إلى السجن أو ما أشبه.

واستنادا إلى ما سبق من أصول وقواعد، فإنني منذ الآن سوف أشير بلقب الزميل (أو الزميل العزيز أحيانا) إلى ثلاثة: ونستون تشرشل، وقد كان كاتبا عظيما، وبنيتو موسوليني وأدولف هتلر، وقد شغلا العالم وأحرقاه كسياسيين وكانا أيضا من أسوأ الكتّاب.

أوائل الثلاثينات من القرن الماضي كان وليم راندولف هيرست أعظم صحافي وأكبر ناشر في أميركا. وقد أراد خبيرا في الشؤون الإيطالية وآخر في الشؤون الألمانية، ومن أفضل من الدوتشي والفوهرر؟ كان يدفع للإيطالي 1200 دولار ثمن مقاله الأسبوعي، مما أثار غيرة هتلر: هل بنيتو يكتب أفضل مني؟

لكن هيرست مل من قراءة موسوليني وكدسات الألفاظ الفارغة، كما مل من ضحالة التحليل الهتلري، وطلب من وزيره المقبل، غورنغ، أن يحل محله! لم يكن هيرست يعرف أن الزميلين سوف يحكمان أوروبا ذات يوم ويقودانها ـ مع العالم ـ إلى الدمار. وفي أي حال، أرجو أن تتذكروا، انني من الآن فصاعدا سوف أشير إلى الزميل بنيتو والزميل أدولف.