العدالة تطالب المحكمة الدولية بتجريم شارون وإدانته في محاكمة موضوعية

TT

الكثيرون من اصحاب القلم القانوني ادلوا بدلوهم في ظاهرة قانونية فريدة، وهي قبول المحاكم البلجيكية في بروكسل طلب التحقيق في ما ارتكبه ارييل شارون من مجازر في صبرا وشاتيلا اثناء اجتياح القوات الاسرائيلية لبنان عام 1982، باعتبار شارون كان مسؤولا مسؤولية مباشرة عن القوات الغازية، وبالتالي يتحمل، وفق القانون الدولي، مسؤولية تصرف هذه القوات، ومنها تلك التي كانت في مخيم صبرا وشاتيلا الفلسطيني. وبمرأى من هذه القوات زهقت ارواح الفي فلسطيني معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ.

وبما ان الكثيرين من فحول القانون تحدثوا عن اسباب المحاكمة واجراءاتها، فسأركز في هذا المقال على تبيان روح الاجرام التي يحوزها شارون، ونعلم انه ليس وحيدا في هذا المضمار، بل سبقه كثيرون، وهناك من هو معاصر له، وهناك من سيأتي. ومن الضروري الاشارة، بادئ ذي بدء الى ان هناك سمتين اساسيتين تشجعان على محاكمة شارون والاصرار عليها، هما:

اولا، ان لجنة صهيونية من بني جلدته، وهي لجنة تحقيق كاهان، درست ملابسات مجزرة صبرا وشاتيلا وادانته، وسحبت منه اثر ذلك حقيبة الدفاع.

ثانيا، لا شك ان هناك اكثر من مجرم حرب، لكن شارون مجرم حرب «مركز»، اذا صح التعبير، لأنه مارس واشرف شخصيا على قتل الفين من فلسطينيي مخيم صبرا وشاتيلا، وهذا متأت من منصبه القيادي الذي يحمله مسؤولية قانونية سواء اكان هذا من وجهة النظر الاسرائيلية او العربية، ناهيك من الاعراف الدولية.

واذا اردنا ان نملك وضوحا اكبر لكن ضمن دائرة التصور الواقعي لهذا الحدث القانوني، وتثبيتا لمسرى العدالة كما جاءت بها الرسالات السماوية والقوانين الوضعية، فان المحاكمة ستتبنى الخطوات التالية:

من هو ارييل شارون؟

لعل من اهم شكليات المرافعة المتوقعة في بروكسل، ان رئيس المحكمة سيوجه السؤال التقليدي: ما اسمك، ايها المتهم بجرائم الحرب؟ وعلى وكيل الادعاء الشخصي للمشتكية الفلسطينية ان يبرز نقاطا مهمة في حياة هذا المتهم ووظيفته الاجرامية. والتخطيط العام لصورة شارون هو كما يلي:

* ولد عام 1928 في قرية كفر ملال بفلسطين، وترعرع منذ سنينه الاولى وسط اوساط يمينية متطرفة، وهذه بدورها شكلت وعيه ودفعته بداية ايام شبابه الاولى، الى الانخراط في الهاغانا.

* اشترك في حرب 1948 ضد العرب كقائد لاحدى فرق الاستكشاف والتحري. وبرزت عنده شهوة القتل والفتك.

* شهدت اسرائيل عام 1953 تغيرا في سياستها الحربية باتجاه زيادة العنف ضد العرب. وفي هذا السياق امر موشي دايان بتأسيس الوحدة رقم 101، وقد اختير شارون لقيادتها. وكانت هذه الوحدة تحاول تقليد الاعمال الاجرامية لـSS النازية.

* وفي شهر اكتوبر 1953 قاد شارون وحدته باتجاه الاردن حيث دخلوا قرية قوليا ليلا ونسفوا البيوت على رؤوس قاطنيها: 53 من النساء والاطفال والرجال والشيوخ.

* دخل شارون قبيل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كرئيس وحدة معروفة باسم 101، على قرية كفر قاسم، وقام وزمرته بقتل 49 عربيا من مواطني دولة اسرائيل.

* مارس ابشع انواع الجرائم الحربية المروعة على قرية في سيناء ونشرت الاخبار بالصحافة الاوروبية وتعرض الى نقد حاد من قبلها.

* ارسل هذا المتهم الى الدراسة في بريطانيا، حيث درس النظرية العسكرية في جامعة staff college in Comberly. ودرس القانون في جامعة تل ابيب وتخرج عام 1966 واصبح برتبة رائد (ميجور) في الجيش الاسرائيلي.

* اما حرب 1967، فقد دخلها بهذه الرتبة، وقاد الهجوم المعاكس في حرب 1973. وفي السنة ذاتها عمل على تأسيس حزب الليكود واصبح عضوا في الكنيست.

* لقب بـ«ابي المستعمرات» لمسؤوليته عنها، كما انه المسؤول الاول عن تهجير العرب لبناء مستوطنات جديدة.

لقد عمل هذا المطلوب للمحاكمة بطرق شيطانية على تنفــــــيذ اغراضه كالسيطرة على المصادر المائية وتحطيم البقايا الاقتصادية الفلســـــطينية التقليدية، وامتصاص اليد العاملة الفلسطينية في بناء المستوطنات، كما عمل على تشجيع الشباب الفلسطيني على التحصيل الجامعي لدفعهم الى الهجرة خارج فلسطين، بالاضافة الى العـــــــقوبات الجماعية والنفي وتهديم المساكن وتفجيرها بحجة عدم الحصول على اجازة بناء. هذا السلوك والتصرف الشيطاني يكفي، برأيي لادانته كمجرم.

بيد ان سجله لم ينته بعد، ونأتي هنا الى موضوع المحاكمة البلجيكية: لقد اصبح شارون وزيرا للدفاع عام 1981، وهو المسؤول عن الهجوم الاسرائيلي على جنوب لبنان من اجل اغتصابه وضمه الى الدولة العبرية، دولة اسرائيل الكبرى. ثم اشرف وبحكم منصبه، متعاونا مع ميليشيات القوات اللبنانية، في اتيان اعمال يندى لها حتى جبين هتلر النازي، في مجزرة صبرا وشاتيلا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل شارون نسيج خاص او افراز مجتمع ما زال بعيدا عن النضوج الحضاري؟

انني كمنصف في تتبع لجوهر الواقع القانوني في اسرائيل، لذا سأعتمد على رأي وزير العدل يثيت: ان هناك قوانين اسرائيلية شرعت في حق الفلسطينيين سواء كانوا ممن حصلوا على جنسية اسرائيلية قبل حرب 67، او ممن يسكنون في الضفة والقطاع. واذا كان هتلر النازي قد اصدر قوانين خاصة باليهود، فان اسرائيل لها قوانين هي الاخرى تخص العرب فقط. ومن هذه القوانين:

1 ـ قانون يعطي لاسرائيل حق مصادرة املاك تعود للعرب.

2 ـ قانون يمنع العرب من البناء الا باجازة، ونادرا ما تمنح اسرائيل هذه الاجازة.

3 ـ اقرت المحكمة العليا الدستورية بناء على طلب دوائر الامن حق التعذيب اثناء التحقيق مع الفلسطينيين.. وهذا القرار ليس قرارا نازيا لا يحترم مبادئ العدالة، بل انه وصمة عار في قضاء دولة تزعم انها الوحيدة في احترامها لحرمة القانون وحقوق الانسان بمنطقة الشرق الاوسط.

والدولة التي تستسيغ اصدار تشريع تهدر فيه حقوق احد، وهنا الفلسطيني، فهي لا بد ان تهدر حتى حقوق مواطنيها، ومثال ذلك:

1 ـ تحاول فرض ارادتها على اليهود ذوي الجنسيات الاخرى لقبول الجنسية الاسرائيلية. واذا اصر على الرفض، فان السلطات والدوائر الامنية تلاحقه وتجبره على دفع الضريبة، وتطلب منه تأدية الخدمة العسكرية على اساس انه يهودي رغم انه لا يحمل الجنسية الاسرائيلية. وقد تململ اليهود الاميركان من ذلك كثيرا.

2 ـ هيمنة رجال الدين على الامور الحياتية. وكما في الانظمة الشمولية، فلا يستطيع غير الحزبي الحصول على اي من حقوقه.. الحقوق ترتبط بتزكية من الحزب الحاكم. ورجال الدين الاسرائيلي يملكون هذا الحق ويعطونه لمن يشاءون.

لماذا شب شارون على كراهية العرب؟

يوم توفي تيودور هرتزل حوالي عام 1904، وقيام لورنس البريطاني باذكاء روح الثورة العربية بقيادة الملك حسين بن علي، لاحت بوادر بزوغ دولة عربية من جسم الامبراطورية العثمانية. وبعد مجيء بلفور ووعده لليهود بحق «انشاء وطن قومي»، تحفزت الحركة الصهيونية لضرب المصالح العربية، وحولت ما كان سائدا من عداء الى معركة وجود لا قضية تقسيم او حدود.

واخذت هذه الحرب اشكالا متعددة على مسمع ومرأى جيش الاحتلال البريطاني او بمساعدته، ومارسوا اثناءها اعمال القرصنة والابادة. وتحول ذوو شارون واهله الى التحالف مع ميليشيات القوات اللبنانية التي استعملها شارون كمخلب قط في مجزرة صبرا وشاتيلا. وقد استفاد الصهاينة من هذه الميليشيات لتنفيذ اغراضهم وفتكوا بالفلسطينيين فتكا تقشعر له الابدان في صبرا وشاتيلا.

ان الشعب الاسرائيلي لم ينضج بعد، اذ ما زال وجوده يتكئ اتكاء كبيرا على خرافات ارض الميــــــعاد والحكايات الخرافية القديمة، لم ينضج بعد بالشكل الذي يجعله يتقبل حكما ديمقراطيا له وللشــــعب الذي يعيش معه ويقاسمه الارض والسماء والموارد الطبيعية. هذا ما حتم لجوء الجيش الاسرائيلي الى جميع انواع الاسلحة من طائرات ومدافع ودبابات لقمع ثورة الحجارة. واني اؤمن بوجوب ادانة شارون لكن ليس لشخصه بل للفكرة التي يحملها والتي هي برأيي مسؤولة عما جرى ويجري من اعمال اجرامية بحق اهلنا في فلسطين.

* محام عراقي مقيم في بريطانيا