فضائية متأخرة جدا

TT

اثارت قصة مساندة الحكومة الاميركية لمحطة فضائية عراقية يزمع بثها اهتمام كثيرين، فهي دلالة على استمرار الولايات المتحدة في مشروعها اقصاء النظام العراقي او التضييق عليه. لكنها في رأيي نموذج على التخبط الاميركي في معالجة قضية في غاية الحساسية، فهي تدعم هذه الوسيلة المهمة جدا، لكنها في نفس الوقت تعطيها اقل مما تحصل عليه اي معارضة اخرى في العالم. فأي محطة هذه التي يمكن ادارتها بأقل من مليوني دولار؟ انها مثل قصة منح المعارضة العراقية أجهزة عسكرية بنصف هذه القيمة في حين ان اخراج القوة العسكرية من الكويت كلف من العدة اكثر من مليار دولار! ليس سرا أبدا ان للمعارضة العراقية اتصالاتها الخارجية ضمن مشروعها في تغيير الوضع في العراق. واهم خطوطها تلك المفتوحة مع واشنطن التي اوحت بحضانة الحكومة الاميركية لها، وأشيع عن رعاية الاستخبارات الاميركية ايضا لها، الا انها في الحقيقة سببت لها من الضرر أكثر مما قدمته من عون وحماية.

وعلة المعارضة ليست في عدم حماس واشنطن لها، وهذا امر واضح ومؤكد، بل في عجزها عن ظهور تنظيم موحد، او يجمع بين بعض الفصائل الرئيسية ويثبت اولا انه يملك قاعدة شعبية وثانيا انه قادر على فعل عمل مهم على الأرض. هذان الشرطان ظلا ناقصين فبقيت المعارضة ثقافية المظهر.

وحتى في المجال الاعلامي، وهو فرع من فروع الثقافة، فان المعارضة العراقية رزئت بمصائب اكبر منها، حيث لم يتح لها الا ميكروفونات صغيرة اقليمية او بعيدة في اوروبا الشرقية في وجه بحر من الدعاية المدفوعة او التلقائية لصالح النظام العراقي تدافع عنه صباح مساء. وفي هذا المجال الحيوي، اي الاعلام السياسي، فانه يبدو مثيرا للشفقة وضع المعارضة التي قاربت اخيرا على فتح محطة فضائية بعد عشرة اعوام من نهاية الحرب وبعد سبع سنين من ظهور الفضائيات العربية. هذه المعارضة التي يفترض ان تمثل ثلاثة ملايين شارد في انحاء العالم وخمسة عشر مليون مضطهد في الداخل، ها هي تحلم بمحطة صغيرة متواضعة بعد ان صارت المحطات الفضائية من كثرتها يملكها ايضا افراد نكرة، وجهات لم يسمع باسمها احد من قبل.

هل شح المال وراء غياب المعارضة تلفزيونيا في حين ان خصمها لا يقارعه أحد في الفضاء؟ أم انه عجزها عن الحركة الى الأمام تنتظر مبادرة من الاطراف المعنية؟ هل اصبح الوقت مناسبا لأن تشرق المعارضة تلفزيونيا بعد ان اوشكت المقاطعة على ان تغرب سياسيا واقتصاديا؟ في الحقيقة انها تأخرت جدا جدا.