الشيعة ليسوا المقصودين

TT

في مقالي الأخير تحدثت عن أزمة العرب الذين بنوا آمالهم على النموذج الإيراني، الآن يرونه بأعينهم يتفسخ ويترنح، وظن البعض بأنني أخص العرب الشيعة.

صحيح أن بعض الشيعة العرب يرون في الرئيس الإيراني أحمدي نجاد «المهدي المنتظر»، الذي يرجون ظهوره ليخلصهم ويقودهم، لكنهم ليسوا المعنيين وحدهم بحديثي الماضي. بوضوح لا لبس فيه أعني كل العرب الذين يعيشون على وهم الزعيم المنقذ، والمحارب المحرر. أعني كل متطرفي السنة العرب الذين ينتظرون صلاح الدين وساروا وراء ملالي إيران، مثل الشيعة المتطرفين، اعتقادا منهم أنهم سيدمرون إسرائيل وسيدحرون الأمريكيين. ينطبق أيضا على عرب اليسار بألوانهم، البعثيين والقوميين والناصريين، الأكثر من غيرهم ولعا وتعلقا بالزعامات، مع أنهم عاشوا محنا متواصلة بسبب انكسارات القادة، وهذه الجماعات تؤمن إلى اليوم بنظريات لا علاقة لها بالواقع المعاش، ولا علاقة لها بالمستقبل الممكن. أتحدث عن نخب وجماعات رومانسية كانت ترى في نجاد المهديَ وصلاحَ الدين وعبدَ الناصر وصدامَ. الجديد القديم اليوم أن نجاد يحارب من أجل بقائه، يحارب في شوارع طهران ضد رفاقه من شركاء الحكم وليس في حال حرب مع إسرائيل.

صحيح أن فريقا من الشيعة العرب سبب له الاهتمام الإيراني أزمة هوية، إنما هذا حديث مختلف سأعود إليه في وقت لاحق، لكن جميع النخب العربية المؤمنة بالنموذج الإيراني، صدمتهم أحداث الصراع على السلطة في طهران. ومن الطبيعي أن يبادروا بتكذيب ما تراه أعينهم، ويلجأوا إلى انتقادنا عوضا عن لوم أنفسهم. وبدل أن يحاولوا فهم ما يحدث هناك، والاعتراف بخطأ مراهنتهم، يعيشون في حالة إنكار وهم يطالعون المشاهد الصادمة في طهران. والمشهد ليس جديدا علينا، فأخبار قتل المتظاهرين العزل في طهران واعتراف النظام بعمليات اغتصاب المعتقلين في السجون ومسرحية المحاكمات، تشابه كثيرا تاريخ نظام صدام. فقد كان الزعيم العراقي بالنسبة لكثير من النخب العربية النموذج والفارس، وكان أتباعه من بيروت إلى الرباط يرفضون تصديق ما يقال عنه، كانوا في حالة إنكار مصرين على أن ما يقال محاولات لتشويه سمعة الرجل لأنه وقف في وجه الغرب وأراد تحرير فلسطين، لكن صور علي الكيماوي وهو يركل مستمتعا أحد المساجين بقدمه ويشتمه كانت كافية لطرح الأسئلة من جديد. وسقوط الرئيس السريع كان خيبة كبرى أخرست أتباعه.

أعرف أن المخالفين سيسألون ساخرين: هات لنا نموذجا، إذا لم يرق لك نجاد ومن سبقه؟ صراحة أزمتنا ليست نجاد، لأن عالمنا العربي مكتظ بأمثاله، العلة تكمن أولا في مفهوم الزعيم الضرورة، لا الإيمان بالمجتمعات واحترام المؤسسات.

وصار كل صاحب قضية يتمسك بقشة زعيم مستورد فقط لأنه رفع شعاراته، من دون أن ينظر كيف يمارس هذا الزعيم واجباته المحلية. فكيف يعقل بنا أن نصدق أن رجلا مثل نجاد، يسوم اليوم رفاقه ومواطنيه العذاب، يمكن أن يحرر الإنسان الفلسطيني، فقط لأنه يلف حول رقبته الكوفية الفلسطينية؟

[email protected]