زلة تضع القدم محل اللسان

TT

دخل موسم الأخبار السخيفة أسبوعه الثالث. وسبب التسمية غياب المواد الخام لصناعة الصحافة، أي الأخبار السياسية، بسبب عطلة البرلمان الصيفية.

الساسة في إجازة، وكذلك الصحفيون المخضرمون الذين التهبت رؤوسهم شيبا، أو صلعاتهم شمسا، في إجازة. ولأن عدد الصفحات لا يقل، يلهث الجيل الثاني وراء أخبار لا تفتح شهية الكبار خارج موسم الأخبار السخيفة.

هذا الشرح بالطبع ليس لقرائنا الدائمين، وإنما لمن يقرأ «الشرق الأوسط»، صحيفة النخبة، للمرة الأولى فور بلوغه سن الرشد الرقمي، أي عند ترك دار الأسرة للدراسة الجامعية، أو سن الرشد العقلاني/ السياسي بعد مرحلة المراهقة الاطلاعية فـ«الشرق الأوسط»، مثل الدراسات العليا الإعلامية.

موسم السخافة الصحفية تقليد مرتبط ببلدان النظام البرلماني، وفي عطلته تشح الأخبار السياسية. ووصل مصر في عشرينات القرن الـ19 في الدولة البرلمانية التي أسسها محمد علي باشا. وكانت مطاردة الساسة، عند انتقالهم للإسكندرية «والتصييف على حساب الجريدة» لضبطهم بمايوه مبهدل أو في وضع لا يليق بوزير أو حرم الوزير، تتحول لمادة غنية لرسامي الكاريكاتير العظام كرخا، وعبد السميع، وصاروخان.

واستمر التقليد في صحف البلدان العربية حتى بعد أن أجهزت الانقلابات العسكرية على النظم البرلمانية.

هذا الصيف وفر الساسة بأنفسهم «هنا وفي بلدان عربية وأفريقية» على الجيل الأصغر مشقة البحث عن أخبار سخيفة فقدموها بأنفسهم، وكأن إتقان السخافات الصيفية أصبح من إتقانهم مهنة السياسة.

رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين «وهو محرك خيوط السياسة في موسكو وليس رئيس الدولة»، دعا عدسات الكاميرا لالتقاط صورة وهو يسبح بعضلات منفوشة «كلمة مصرية تعني متضخمة عمدا» في بحيرة باردة في غابات روسيا، ثم صورة يركض فوق ظهر حصان بالمايوه (بوتين بالمايوه وليس الحصان).

صور زعيم مخابرات روسيا السابق الذي «تفتون» (أي عمل قبضاي باللبنانية) على جيرانه الأصغر عضلات في أوكرانيا وجورجيا، وصلت صحف بريطانيا التي يعتقد محرروها أن رئيس الوزراء الحالي غوردون براون، هو العكس من بوتين القوي العضلات صاحب القرار السريع.

الصور نشرت صباح الاثنين: «لقاء الصحافة مع مستشاري رئيس الوزراء يتم يوم الاثنين فقط في فصل الصيف بدلا من مرتين يوميا بقية العام»، وسألت زميلة لنا، بدهاء نسائي، مستشار رئيس الوزراء، عما إذا كان المستر براون ينوي دعوتنا ـ نحن من ضحينا بإجازاتنا وبقينا في جو لندن المتلوث ـ كعين الشعب ورقيبه على أداء الحكومة، لمشاهدته يركض فوق ظهر حصان؟

وقبل أن يجيب الرجل تلقى سؤالا آخر «هل رئيس الوزراء قادر على تسلق ظهر الحصان؟»؛ فقال إنه سيتأكد من الأمر ويجيبنا في وقت لاحق..

«والسباحة»؟ أطلق كاتبكم السؤال الثالث، الذي أرجأت مصادر داوننغ ستريت الإجابة عليه حتى التأكد، لتصيح زميلة أخرى خلفي «وهل يمتلك مايوه؟»، وأخرى بـ«ما لونه؟»، وثالث بـ«ومن أين اشتراه؟» ورابع بـ«ما ثمنه؟» وخامس بـ«صناعة بريطانية؟» (وكان المستر براون قد دعا الشعب لشراء المنتجات الوطنية......)، حتى توسل المستشار «بالاستمرار في اتفاق الجنتلمان بين السلطة الأولى والسلطة الرابعة بعدم إزعاج رئيس الوزارة وأطفاله في حياتهم الخاصة، وعدم نشر اسم المكان الذي يقضي فيه المستر براون أسبوعا واحدا فقط هو إجازته هذا العام، لأسباب أمنية».

وبينما كنت أطالع في «المصري اليوم» مدى تشدد الحكومة المصرية، بل ومبالغتها في الإجراءات الصحية الوقائية في مطارات وموانئ مصر، ومنع الحكومة استيراد منتجات محاصيل أو أغذية منتجة بالهندسة الوراثية حرصا على صحة المصريين ونقاء بيئتهم، قرأت على الصفحة نفسها، خبر سماح الحكومة نفسها بري 10 آلاف فدان مزروعة محاصيل غذائية بمياه الصرف الصحي الملوثة من المناطق الصناعية في قويسنا، دون أي اعتبار لصحة المصريين أو مدى نقاء بيئتهم.

أما الرئيس الاشتراكي هيوغو شافيز فنشرت الـ«نيويورك تايمز» قراره بإغلاق اثنين من أفضل ملاعب الغولف ليصل عدد المغلق منها تسعة في فنزويلا «لأنها رياضة البرجوازية لا رياضة الشعوب الكادحة» كما قال في خطاب متلفز له زادت مدته على مدة أربع مباريات غولف مجتمعة، رغم احتجاجات سكرتير عام اتحاد اللعبة بأن في ذلك قطع أرزاق العاملين في الملاعب التي تدر دخلا محترما من زيارة اللاعبين الأجانب لفنزويلا.

أما دعوة هارييت هارمن، نائبة رئيس وزراء بريطانيا وهي من النسويات الراديكاليات، في مقابلة تلفزيونية لمزيد من المساواة بين الجنسين، فكانت زلة لسان أسوأ من زلة القدم (الترجمة المضمونية لا الحرفية للقول الانجليزي «تكلمت فوضعت قدمها في فمها») عندما دعت لأن يعين جميع رؤساء الأحزاب امرأة لمنصب نائب الرئيس، مبررة ذلك بقولها «لا يمكن ترك الرجل وحده للقيام بالأعمال المهمة»، فوضعت بذلك المرأة في مكانها المعتاد تقليديا أي المطبخ، لأن القول تكرره الزوجة (التي سمعته عن أمها عن جدتها وأم جدتها) عندما تترك الرجل وحده في المطبخ فيحرق الطعام ناسيا أن يقلبه أو يخرجه من الفرن، أو يفسد أحب الثياب إلى قلبها بخلط الألوان أو أخطاء درجة الحرارة في ماكينة غسل الملابس (ككاتبكم المغلوب على أمره فحرمت الهانم دخولي المطبخ أو غرفة الغسيل مهددة بوضع ألغام بلا علامات إذا كسرت الحظر).

أما نكتة هذا الموسم فبطلها النائب آلان دنكان، من زعماء حزب المحافظين، ومن كبار أبطال فضيحة مغالاة البرلمانيين في مصاريفهم الإضافية التي كشفتها الـ«ديلي تلغراف» قبل شهرين لمطالبته بأربعة آلاف جنيه لتهذيب حديقة المنزل. وكان هاودون براوز، وهو ليس صحفيا تقليديا وإنما ناشط سياسي صاحب مدونة على الإنترنت، قد زرع أزهار البنفسج على شكل علامة الجنيه الإسترليني في مساحة الحشائش الخضراء في حديقة دنكان، وبث فيديو الواقعة على يوتيوب على الإنترنت.

دنكان دعا براوز إلى شرفة حانة مجلس العموم لتناول الشراب بغية تصفية الأجواء، ناسيا أن اتفاق «الجنتلمان» بحرمة خصوصية هذه الشرفة وعدم نشر ما تم فيها من حوار، لا ينطبق على براوز لأنه لا ينتمي لمجموعتنا الصحفية البرلمانية، وهو اتفاق يعود لمائتي عام.

براوز أخفى كاميرا تجسس صغيرة جدا في حجم زرار الجاكيت، وسجل لدنكان احتجاجه للتقطير على النواب في المصاريف لدرجة أنهم يعيشون على «التعيين» (أي الوجبة غير المستساغة التي يصرفها الجيش للعسكر)، وتفوه بألفاظ لا يمكن نشرها في صحيفة تقرأها الأسر المحترمة.

وكانت فضيحة أخرى على الصفحات الأولى في صحف الخميس، وإرغام زعيم المعارضة، دافيد كاميرون، دنكان على الاعتذار علنا والصوم عن الكلام حتى نهاية الموسم.