ماراثون انتخابي عراقي طويل

TT

بقي أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات البرلمانية في العراق التي تقرر لها أن تعقد في نهاية شهر يناير المقبل. وعلى الرغم من أن هناك وقتا طويلا يفصلنا عن ذلك الموعد، فإن من يتابع تحركات الأحزاب والقيادات سيدرك كم ستكون مثيرة وجدلية، وربما حاسمة لصيغة الدولة الجديدة. معركة الانتخابات قص شريطها عمليا من خلال بناء التحالفات الجديدة، وطرح بالونات اختبار لمعرفة طبيعة التوجهات الشعبية، ولعل أهم ما جد على المناورات الانتخابية تعهدات بالطلاق الطائفي.

المحاصصة الطائفية هي النظام الجديد منذ تشكيل مجلس الحكم ممثلا كل الأديان والطوائف الرئيسية في البلاد، ثم جاءت الانتخابات لتعكس حالة الاحتقان الطائفية فصارت عناوين سياسية انتخابية، وأنجبت الطائفية أول حكومة إلى اليوم برئاسة زعيم حزب الدعوة الديني نوري المالكي.

حزب المالكي ألقى قنبلة صوتية كبيرة عندما أبدى استعداده للخروج من الائتلاف الشيعي، الذي جاء به إلى السلطة، وقال إنه مستعد لفتح الباب للتحالف مع الأطراف الأخرى، سواء علمانية أو دينية أخرى. ولا نريد أن نتعجل النتيجة مبكرا فنقول إن الناخب العراقي قد شفي تماما من الانتماء الطائفي الذي صبغ كل الطروحات الأساسية في السنوات الست الماضية، إنما هناك بالفعل مؤشرات تدل على ذلك. فانتخابات المحافظات الأخيرة فاجأت السياسيين عندما سقط فيها رموز وأحزاب دينية في معاقلهم الرئيسية، سُنة وشيعة، كما أن الانتخابات الكردية الأخيرة أيضا صدمت المتابعين بنتائجها الجديدة.

وليس غريبا أن نكون أقل حماسا لإقحام الدين أو العِرق في العملية السياسية، لأن الاختلاف الديني ليس محل الجدل السياسي المفترض، ولأن الاختلاف بين الأديان والطوائف والفرق الدينية أكثر تدميرا، كما أظهرت معارك سنوات الظلام الماضية.

ومع تشككي في قدرة الأحزاب الدينية على الانسلاخ من جلدها والتحول إلى أحزاب سياسية حقيقية إلا أنه لا يوجد من خيار سوى أن نتفرج على كيف ستقدم نفسها، وكيف سينظر العراقيون إليها؟ فإن خرج حزب رئيس الوزراء، الدعوة، من الائتلاف الشيعي ودخل مع الحزب الإسلامي السني، سيبدو تعزيزا للوحدة العراقية لكن ذلك ليس كافيا. صحيح أن تعزيز الوحدة الدينية أساس في ترميم العلاقات بين المواطنين الذين فرقت بينهم «فرق الموت» و«القاعدة» و«الاجتثاث» إنما هيمنة الأحزاب الدينية ستظل مشكلة دائمة لأن استعارة الخلافات الطائفية وسيلة ترغيب وتخويف سهلة للمرشحين الفاشلين في تلبية حاجات المواطنين. من المبكر جدا أن نصدق كل ما يقال عن التحالفات، وما يقال عن تغييرات في المواقف والاتجاهات الجغرافية. وإذا كان هناك ما يستحق أن يدعم في عقل المرشحين العراقيين هو التفكير في مستقبلهم كقيادات وأحزاب لما وراء الانتخابات بالتخلص من عبء الطرح الطائفي والعرقي بشكل صريح والتحول نحو عمل حزبي يخدم كل العراقيين، لا الشيعي للشيعي والسني للسني والكردي.

الانتخابات العراقية المقبلة علامة فارقة، وهذا ما دفع الأطراف المتنافسة إلى فتح باب حملاتها مبكرا جدا لمعرفتها أنها ستكون مصيرية. بعض الأطراف المهزومة ستواجه خطر الانقراض للسنوات الأربع المقبلة.

[email protected]