لماذا يبتسم الأفغان؟

TT

الدولة الأفغانية في حالة حرب منذ أكثر من 30 عاما، وقد تعرضت البلاد للغزو ومنيت بالدمار في أوقات عدة. وعلى ضوء التقارير المتكررة عن وقوع مصادمات ووجود نزاع حول الانتخابات الرئاسية القادمة، تقول معظم الاستطلاعات إن الأفغان على شفير الهاوية، وتستشهد بشعور متنام بالإحباط بسبب أعمال العنف والولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ولكن، يكشف بحث قمنا به العام الحالي أنه حسب المعايير الدولية لا يزال الأفغان سعداء، وهو أمر مفاجئ. وإذا لم نفهم ما الذي يجعل الأفغان سعداء على عكس البديهي، فإنه من غير المحتمل أن نفوز في النهاية بـ«قلوبهم وعقولهم».

وبالطبع من الضروري توافر مقدار معين من الاستقرار كي يتمكن المجتمع من أداء مهامه. ومع أن التركيز على الجانب الأمني وحده ربما يعالج مخاوف لدى الجمهور الغربي، فإنه لا يحتمل أن تروق هذه الاستراتيجية للأفغان. وبعد مرور أعوام على الحرب، يبدو أن الأفغان تكيفوا على حالة انعدام الأمن، وكذا ألفوا الجرائم والفساد. وربما يساعد التركيز بمقدار أكبر على تقليل التساهل مع الفساد وتعزيز الثقة العامة، بناء على فهم لطبيعة اختلاف هذه المشاعر لدى المواطنين في أماكن مختلفة داخل أفغانستان، على ظهور ومضات أمل مهمة وخيارات تناسب الحرية السياسية التي نؤسسها.

وقد أتاحت لنا الاستطلاعات التي أجريناها داخل ثماني مناطق بأفغانستان قياس مقدار الشعور بالسعادة تحت مجموعة متنوعة من الظروف الاقتصادية والمجتمعية، وساعدتنا على رصد التغيرات المزاجية مع تغير الأنظمة السياسة والاقتصادية. وبالتعاون مع باحثين في كابل، أجرينا الاستطلاع الأول من نوعه في أفغانستان خلال يناير (كانون الثاني). ووجدنا أن هناك ارتفاعا في مستوى الشعور بالسعادة في المجمل. وعلى سبيل المثال وجدنا أن 81 في المائة من الأفغان (الذين شملهم الاستطلاع) قالوا إنهم ابتسموا خلال اليوم الماضي. ويشيع استخدام الابتسام خلال اليوم الماضي لقياس الشعور الفطري بالسعادة، ويحتمل أن يكون الأفغان الذين ابتسموا في يناير (كانون الثاني) قد ابتسموا أمس أيضا. وكانت الأسباب التي دفعت عددا كبيرا من الأفغان إلى الابتسام مثيرة للاهتمام.

وبدا أن التكيف على الجرائم والفساد هو المدخل. ومن بين 2000 شخص شملهم الاستطلاع ـ 11 في المائة من النساء، حيث دفع الخوف من أعمال العنف الكثير من النساء إلى تجنب الحديث مع رجال غير مألوفين ـ قال 25 في المائة إنهم كانوا ضحايا لأعمال فساد خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، مقابل 11 في المائة كانوا ضحايا لجرائم. ومع ذلك لم يكن الضحايا أقل شعورا بالسعادة من المعدل المتوسط، وكذا كان الحال مع هؤلاء الذين قالوا إنهم لا يستطيعون المشي بأمان في المناطق التي يعيشون فيها. ويعد ذلك تغيرا بارزا عن معظم الأماكن الأخرى في العالم، حيث يعد تعرض المرء لعمل إجرامي أو شعوره بالخوف في المنطقة التي يعيش فيها سببا يمنع الشعور بالسعادة. وبعد أن أصبحت الجرائم وأعمال الفساد أشياء مألوفة، لا يبدو أن لهذه الظواهر الآثار المعتادة على الشعور بالسعادة. وتعد القدرة على التكيف على الشدائد أمرا حسنا من منظور فردي، ولكن من المنظور المجتمعي فإنه يمكن أن يؤدي إلى شعور بالرضا عن أعمال الفساد وجرائم متفشية.

ولا يعتقد الأفغان أن أوضاعهم المعيشية يمكن أن تقارن بالأوضاع المعيشية للمواطنين في أماكن أخرى، ولكنهم يشعرون بالتفاؤل، ويحدوهم أمل في مستقبل أفضل. وقال 60 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنه من الممكن أن يتحول شخص ولد في حالة فقر إلى الثراء. وفي أميركا اللاتينية، التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي أكبر، قال 30 في المائة من أصل 18.000 شخص شملهم استطلاع إقليمي أجري عام 2008 إن العمل الجاد أكثر أهمية من العلاقات لتحقيق النجاح.

ويتأثر الأفغان بالبيئة السياسية التي يعيشون فيها. وقد كان الأفغان الذين يشعرون بالرضا عن الديمقراطية أكثر شعورا بالسعادة من المتوسط على مستوى البلاد، وكذا كان الحال مع هؤلاء الذين يرون أنهم يمكنهم الحديث بحرية. ولكن، لا يعني دعم فكرة الديمقراطية ثقة في المؤسسات العامة أو المواطنين. وقد قال أقل من 10 في المائة ممن استطلعت آراؤهم إنهم يمكنهم الثقة في جيرانهم، وقال 20 في المائة إنهم يثقون في الحكومة، وقال 21 في المائة إنهم يثقون في الشرطة، وقال 17 في المائة إنهم يثقون في القوات الأمنية الدولية.

وعلى عكس البديهي، وجدنا ارتفاعا في مستوى الشعور بالسعادة بين المواطنين الذين يعيشون في مناطق ذات نفوز معتدل لحركة طالبان. (ولم يتمكن فريقنا من إجراء مقابلات في المناطق التي تشهد أشد أعمال العنف). ونجد أيضا أن طبيعة العيش في هذه المناطق كان لها أثر كبير على الشعور بالسعادة مقارنة بجميع العوامل الأخرى سوى الدخل. وكانت هناك احتمالية أكبر لأن يكون المواطنون في هذه المناطق راضين عن الديمقراطية، وأن يقولوا إن لديهم حرية تعبير وثقة في الآخرين. وهناك تفسير محتمل لمعدلات الشعور بالسعادة المرتفعة هذه، وهو أن معدلات الجريمة والفساد في هذه المناطق أقل. وقد قال 10 في المائة من المشاركين إنهم كانوا ضحايا جرائهم، فيما قال 19 في المائة إنهم كانوا ضحايا جرائم، وقال 19 في المائة إنهم كانوا ضحايا أعمال فساد. وكان ضحايا الفساد في هذه المنطقة أقل شعورا بالسعادة، وربما لأن هناك تساهلا أقل مع أعمال الفساد.

وتعطي النتائج التي توصلنا إليها أسبابا للشعور بالأمل والشعور باليأس في بلد يواجه المجتمع الدولي داخله خطرا كبيرا. ويمكن أن يصبح التفاؤل والميل الدائم للحرية قوة مهمة في مواجهة مناخ العنف السائد والشعور بالخوف وضعف الثقة المستشري في أفغانستان. وتظهر الكثير من الدراسات كيف يمكن أن يؤدي تراجع الثقة في المؤسسات العامة ومعدلات الفساد مرتفعة إلى نتائج سيئة على الصعيد التنموي. ولسوء الحظ، فإن بناء الثقة في المؤسسات العامة وتراجع الفساد من بين الأهداف المساعدة التي نعرف بدرجة أقل عنها. وهناك صعوبات أكبر تحول دون الوصول إلى هذه الأهداف في مكان يشعر المواطنون فيها بالرضا عن المشاكل. ومن المهم لتحقيق النجاح في أفغانستان أن نفهم السبب الذي يجعل بعض المناطق في أفغانستان التي تشهد نفوذا لحركة طالبان أكثر من الأخرى، لديها أنماط مختلفة من الفساد ومعدلات أعلى من الشعور بالسعادة والرضا عن الديمقراطية والثقة في المواطنين. والإشارة الضمنية هي أن الاستراتيجية الأميركية التي تركز على أعمال العنف والأمن الموجهة ضد طالبان أو أمراء المخدرات ربما لا تتناسب مع الهموم الأفغانية.

* زميل بارز في معهد «بروكينغز».. ويعمل جيرمي شابيرو، الذي كان عضوا بارزا في فريق التقييم الاستراتيجي التابع للجنرال ستانلي ماك كريستال، مدير أبحاث في مركز الشؤون الأميركية والأوروبية التابع لمعهد «بروكينغز» وباحثا رئيسيا في مؤشر أفغانستان بالمعهد ذاته.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»