متقلب أم متطور؟

TT

كان من بين التعليقات التي وصلتني رسالة من صلاح المختار يسألني كيف أوفق بين إعجابي بالحكم الملكي وانضمامي للحزب الشيوعي.

أرجو أن تكون يا سيدي قد سمعت بقول غوستاف لوبون: «من لم يؤمن بالشيوعية في شبابه فلا قلب له، ومن لا ينقلب ضدها في كبره فلا عقل له». والكلمة تذكرني بحكاية دنس هيلي، الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي في الثلاثينات، ثم انتقل لحزب العمال في الأربعينات، ثم تولى في الستينات وزارة الدفاع، ذلك المنصب الخطير في أيام الحرب الباردة ضد الشيوعية. سألوه يوما كيف ذلك، وقد كان يؤمن بها من قبل؟ قال لم أكن مؤمنا بها فقط، كنت قبلها أومن أيضا ببابا نويل!

هذا هو الفرق بيننا وبين الغربيين. إنهم يؤمنون بسنة التطور بما فيها تطور الفكر، ولا يتمسكون بالحقد. نحن لا نؤمن بالتطور ونتمسك بالحقد. يتهمني الكثيرون بأنني رجل متقلب. وأنا أتهم بالجمود كل واحد منهم يقولون عنه «ثابت المبدأ». لا يمر يوم لا تقع فيه أحداث جديدة، أو تعطينا العلوم اكتشافات جديدة، أو تظهر معلومات ونظريات جديدة. من لا يتفاعل مع كل ذلك وينقح تفكيره بضوئها فمثله كمثل الطبيب الذي لا يتتبع مستجدات مهنته.

ومع ذلك فإن فكرة واحدة ظلت مستحكمة في تفكيري كل حياتي وهيمنت على كل آرائي واتجاهاتي ولم أحد عنها، تلك هي رعاية مصالح الفقراء والضعفاء. هي التي جرتني إلى الشيوعية، ثم جعلتني أنقلب عليها. مشيت مع الشيوعية ومع الاشتراكية والديمقراطية والبعثية والقومية والوطنية والناصرية والوحدة العربية وهات ما عندك، وافترقت وإياها حالما وجدتها لا تزيد المدقعين والمستضعفين غير المزيد من الشقاء والتضحيات باسم الوطنية أو المبدأ أو القومية ... إلخ. أيدت حتى صدام حسين عندما أغرق بغداد بالخير والضمان الاجتماعي والطب المجاني، ثم انقلبت عليه حالما ألقى جموع الشعب بالموت والجوع والحصار.

شعاري في دنيا السياسة هو: «كل من يأخذ أمي اسميه عمي. وكل من يوفر الغذاء والدواء والكساء للفقير أحطه على راسي». وهو ما يفسر تأييدي، أنا الديمقراطي، لكثير من الدكتاتوريات عندما وجدتها توفر للضعفاء القوت والعمل والقلم، ودعوت لعودة الاستعمار بعد أن شعرت بأن الإنجليز كانوا أرأف بالفقير من حكامنا الوطنيين.

أومن الآن بما أصبح يؤمن به أكثر العراقيين، وهو أن العهد الملكي كان أفضل مرحلة مر بها العراق في العصر الحديث. ولكنني مضيت إلى أكثر من ذلك فأيدت حركة الملكية الدستورية، وسعي الشريف علي بن الحسين لتسنم عرش العراق. وأعتقد الآن أن عدم تصويت الشعب له ولإعادة الملكية في الانتخابات الأخيرة كان غلطة كبيرة أخرى ارتكبوها، وها هم يدفعون ثمنها اليوم. العرش يلملم الشعب ويعزز الوحدة. الديمقراطية عملية عضوية تدريجية لا يمكن شراؤها كما تشترى السيارات والتلفزيونات. وهذا سر إعجابي بمسيرتها الحثيثة والهادئة الجاري تطبيقها في سلطنة عمان. الطريق طويل والصبر طيب.

www.kishtainiat.blogspot.com