شروط الجنسية

TT

طلبنا الجنسية البريطانية عندما تحولت بيروت إلى مجموعة أوطان في أزقة ودول في شوارع وشعوب في خنادق. وجميعها متقاتلة. وحصلنا على الجنسية بالبريد، مع رسالة خاصة من التاج، يرحب بنا ويعلمنا أن العادة المتبعة في البلاد، هي احترام جميع القوانين ونيل جميع الحقوق. وباستثناء قانون السير والوقوف للحظة، لا أذكر أنني خالفت شيئاً. وأمضيت ربع قرن لم يطرح عليَّ سؤال ولا طرحت سؤالا على احد. وخلال 25 عاماً اتصل بي القضاء مرتين؛ الأولى لكي أترجم نصاً لصاحب مجلة شتم رجل أعمال، واعتذرت لأنني لا أشارك في عمل ضد أهل المهنة بصرف النظر عن قناعتي، والمرة الثانية سئلت تقييمي لكاتب عربي يطلب تعويضاً مادياً، فقلت إن الذي يطالب به دون مستواه الحقيقي بمائة مرة على الأقل.

بعدما ازداد عدد المهاجرين على التاج البريطاني، وضع قانون جديد للجنسية وأصبح على طالبها أن يخضع لامتحان في تاريخ البلاد، وفقاً لكتاب عنوانه «الحياة في المملكة المتحدة»، فيه وصف لبعض تقاليد البلاد وعرض لبعض قوانينها، وخصوصاً احترام الحريات.

هل هناك حقاً شيء اسمه الهوية البريطانية؟ لا. ولو كان الامتحان معمولا به العام 1989 لما نجحت فيه. وأعتقد أن بريطانيا اختراع انكليزي طبقه الانكليز بالقوة على أهل ويلز واسكوتلندا وايرلندا، والآن يتوسلون العرب والهنود والباكستانيين والبولنديين للقبول به. فمن الشروط الواردة في الكتاب «احترام القيم التقليدية في التسامح المتبادل والاحترام المتبادل والاهتمام المتبادل». كيف سيطيق الصومالي ذلك في كارديف وهو لا يقدر على العبور من حارة إلى أخرى في موغاديشو؟ أعتقد أن زمن الهويات قد انتهى. لقد عولم المهاجرون هذه الأرض. وها هم الكوريون الجنوبيون يقرأون همنغواي في لوس أنجليس باللغة الكورية. وفي فلوريدا محلات كتب على أبوابها «نتحدث الانكليزية هنا». والأعياد الرسمية التي يريد الكتاب أن يحفظها المواطنون الجدد قد نسيها المواطنون القدماء منذ عقود طويلة. وأشك أن رئيس تحرير «التايمس» يعرف لماذا تقع العطلة في يوم القديس اندرو والقديس جورج والقديس باتريك أو ديفيد.

هل يمكن أن تكون بريطانياً إذا لم تقرأ شكسبير وبليك وسويفت وشوسر؟ ومَن هو كرومويل؟ ولماذا نام كولن ولسون في عراء حديقة هامستد؟ وكم مرة ذهبت إلى المسرح؟ وهل تميز بين لهجات يوركشاير ولنكولنشاير؟ وهل تقرأ مجلة «الريف»؟ وهل تزدري الفرنسيين الشمس نفسها؟ من هو البريطاني؟ انه الذي يعيد الانكليزي اختراعه كل يوم.