صدقونا ولو لمرة واحدة يا صناع القرار

TT

جميل أن يجتمع وزراء الإعلام العرب لدراسة خطة إعلامية تعري الزيف الصهيوني وتكشف أكاذيب الاحتلال والعدوان الإسرائيلي وتفضحه أمام الرأي العام العالمي.

وجميل أيضاً أن يتداعى وزراء الخارجية العرب لاجتماع طارئ وعاجل لدراسة اتخاذ موقف موحد قدر الإمكان في مواجهة ديبلوماسية الزيف والخداع الإسرائيلية.

وجميل أيضا أن يتهاتف قادة العرب والمسلمين في إطار البحث عن سبل كفيلة لدعم الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية.

وجميل أكثر من ذلك، أن نرى المفوضة الإعلامية للجامعة العربية الدكتورة حنان عشراوي (التي نبارك لها بهذه المناسبة منصبها الجديد ونبارك للديبلوماسي المحنك عمرو موسى هذا الانتخاب المناسب)، نعم أن نراها وهي واثقة بنفسها وبأمتها وهي تتحدث عن وجود استراتيجية إعلامية عربية واضحة! ستتبين معالمها قريباً كما ظهرت علينا عبر شاشات الفضائيات العربية.

ولكن لتسمح لنا المفوضة القديرة، أن نختلف معها أولا حول عدم وجود استراتيجية إعلامية عربية، وثانيا حول وجود إشكالية أساسية في قراءة النظام الرسمي العربي والإسلامي لما يحدث في فلسطين على الأقل منذ الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي، أي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة.

وأما السادة الوزراء العرب، وكذلك القادة من ملوك ورؤساء في الأمتين العربية والإسلامية، الذين تداعوا للتهاتف من أجل فلسطين!! فليسمحوا لنا ايضا ان نختلف معهم حول المهمة المناطة بهم من أجل فلسطين، ونبدأ من هذه النقطة أولا لنقول لهم بوضوح شديد وشفافية بالغة، نرجو ألا تكون جارحة لمشاعرهم:

إنكم لستم بمقام من يصدر البيانات أو من يحسن التهاتف من أجل فلسطين، سواء شجباً للعدو أو إشادة بالفدائيين والمجاهدين، فهذه مهمتنا نحن الإعلاميين ورموز المجتمع المدني وسائر طبقات الشعب المختلفة.

إنكم بمقام صناع القرار، نريد منكم قرارات عملية وشفافة وواضحة وشجاعة مثل أن:

ـ تقطعوا كافة اتصالاتكم السرية والعلنية مع العدو حتى وان لم تكونوا مقتنعين بذلك بعد، ولكن إكراماً للدم الفلسطيني المسال يومياً على ارض المعركة، بل إنجاحاً للخطة الإعلامية والديبلوماسية التي تنوي الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي تنفيذها من أجل فلسطين.

ـ تعلنوا عن تبنيكم لميزانيات إدارة جامعات ومستشفيات ومعامل فلسطينية، وميزانيات إعادة بناء قرى أو مدن فلسطينية هدمها الاحتلال منذ بدء الانتفاضة، وتقوم كل دولة بتحمل قسطها من هذه الميزانيات بصورة محددة وواضحة ومعلنة.

ـ تشرعوا عبر برلمانات أو مجالس الشورى في بلدانكم حق الفلسطيني في التسلح والدفاع وحقكم بتسليحه وإيصال السلاح له باعتبار أن القوانين والأعراف الدولية تنص على ذلك صراحة لمن هو واقع تحت الاحتلال.

ـ تقاطعوا مقاطعة كاملة البضائع الإسرائيلية والشركات العاملة بشراكة مع الإسرائيليين وتعمموا على جميع مؤسسات بلدانكم ضرورة مناهضة كل أشكال التطبيع مع هذا العدو الغاصب للارض والحقوق العربية.

وأما بخصوص الاستراتيجية الإعلامية العربية، فنقول لزميلتنا التي نجلها كثيرا: سيدتي الفاضلة الاستاذة حنان عشراوي، إن أول مهمة ملقاة عليك هي التمني على الفضائيات العربية إن لم تتمكني من أمرها بالتوقف الفوري عن استضافة جلاوزة العدو الصهيوني الإعلاميين! الذين اعتادوا على مهاجمة ليس فقط مشاعر أمتنا وشعوبنا، بل معتقداتنا، ومخططاتكم الإعلامية واستراتيجيتكم، إن كانت هناك استراتيجية فعلا! يا سيدتي الفاضلة، إن من أوليات المعركة الإعلامية، وأنت سيد من يعرف هذا، الإعداد النفسي للمعركة، وإدارة حرب نفسية طويلة الأمد، وكما تعرفين أيضا فإن المجتمع الصهيوني الإسرائيلي مجتمع حربي، ثلثه تحت السلاح وثلثاه الآخران جاهزان للتحول إلى السلاح في أي لحظة، وبالتالي فإن هؤلاء الذين يظهرون على شاشاتنا العربية هم جنرالات يقودون جانباً من المعركة، وبالتالي كيف لنا خوض معركة إعلامية ناجحة تكون فيها اجهزتنا الإعلامية أول من يخترقها ويفشلها من الداخل بحجة الرأي والرأي الآخر؟! وأما ثانيا يا سيدتي الفاضلة، فإن المطلوب إعلاميا أيضا إعادة صياغة للخطاب العربي الرسمي الذي نتعامل فيه مع شعوبنا ومع العالم ايضا.

فماذا يعني على سبيل المثال لا الحصر، وقف دورة العنف والعنف المضاد، أو إيجاد تسوية لأزمة! والالتزام بوقف اطلاق النار!، والعودة إلى ما قبل الثامن والعشرين من سبتمبر، وتطبيق مقررات لجنة ميتشيل وتفاهمات تينيت، وعشرات الفقرات الإعلامية التي تغوص عميقاً في جراح الشعب الفلسطيني ممعنة في معاناته وقتله حتى بعد استشهاده وباللسان العربي الفصيح بحجة العقلانية والاعتدال؟! فإذا كنا نخوض حرب وجود مع هذا العدو الغاصب ونحن كذلك فعلا، وإذا كان صانع القرار العربي قد اقتنع ولو متأخراً بأن الاستعمار الإسرائيلي يعيش ساعاته الأخيرة، وهو كذلك فعلا، وكل ذلك بفضل الاستشهاديين والفدائيين والمقاومين وجمهور فتيان الحجارة وجنرالات الحرب الشعبية اليومية التي يخوضها أبناء شعب فلسطين أولا وأخيرا، فإن المطلوب بإلحاح من أجل استراتيجية إعلامية عربية واضحة ناجحة، هو ما يلي:

أولا: إعادة إحياء مفهوم ومقولة العدو الصهيوني الاستراتيجية واعتبار معركتنا معه معركة وجود لا معركة حدود! لأنه هو بالأساس لا يعترف بغير ذلك.

ثانيا: منع أي حوار إعلامي مع جنرالاته الإعلاميين بحجة الرأي والرأي الآخر، فهو لا يعترف ولا يقر بغير لغة القوة والرصاص، كما أنه لم يسبق لأي أمة خاضت مثل هذه الحرب بالطريقة التي تخوضها شاشاتنا ووسائل إعلامنا العربية.

ثالثا: التخلي عن سياسة تسويق تفاهمات واتفاقيات أكل عليها الدهر وشرب وداسها جنرالات الحرب الصهيونية وتدوسها يوما بعد آخر تفاهمات المخابرات الأمريكية.

رابعا: التخلي عن التغني الدائم بخيار السلام الاستراتيجي على حساب خيار مقاومة الاحتلال وطرده، بل ودحره ذليلاً مهزوماً، كما وقع له في جنوب لبنان.

لأنه في غير ذلك يكون الخطاب الإعلامي الرسمي في تناقض وتضاد يومي مع ما يجري في الميدان وعلى الأرض الفلسطينية المباركة، وهو ما يحصل بالفعل، فنخسر إمكانية استثمار العمل البطولي اليومي المقاوم، والمقاومون من جهتهم يخسرون وسيلة الحرب النفسية اللازمة الضرورية لأية حرب.

ثم كلمة أخيرة إلى كل أولياء الخطاب الإعلامي العربي والإسلامي الرسمي، أقول:

لماذا هذا التردد والحيرة والاضطراب في التعامل مع الحدث الفلسطيني وهو في أرقى تجلياته وأرفع درجات سموه وعطائه الإنساني؟! ألا ترون ان القدس تسقط مشروع شارون السياسي؟

ألا ترون ان جنين تسقط مشروعه العسكري؟

ألا ترون ان الاستشهاديين اسقطوا مشروعه الأمني؟

ألا ترون أنه يتوسل وقفاً لإطلاق النار بأي ثمن، وهذا ما يحصل لأول مرة في تاريخ المواجهة مع الشعب الفلسطيني؟

صدقوني إنه يعيش ساعاته الأخيرة هذا الاستعمار البغيض وهو يستعد لحزم حقائبه مهزوماً وعازماً على الرحيل مندحراً فلا توقفوه أو تستوقفوه بحجة التفاوض على تفاهمات واتفاقيات هو أول من يحتقرها وقد رماها منذ زمن في سلة المهملات.

انه يألم كما نألم تماماً، بل ربما أكثر منا بكثير، لكن الفرق اننا نرجو ما لا يرجو.

نحن راضون بالشهادة قدراً، وجسراً للحياة الحقيقية، فيما هو حريص على حياة، أية حياة مهما كانت ذليلة وخائبة، وهو يعيش ساعاتها الأخيرة.

إنه ينتمي إلى عالم ينهار فيما نحن ننتمي إلى عالم ينهض.

المهم أن يصدق وزراء إعلامنا العرب وقادة أمتنا العربية والإسلامية هذا، ويتصرفوا في قرارة أنفسهم بأن امتهم منتصرة بإذن الله بفضل قرار الاستشهاد من أجل الحياة الحقيقية، وعند ذلك فقط تكون عندنا استراتيجية إعلامية عربية فعالة تساهم حقاً في دعم خيار الانتفاضة.