سلامة في خير

TT

تذكرت مقولة إنجليزية شائعة حين قرأت ما أثير عن زيارة وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون إلى الكونغو أخيراً. المقولة تؤكد أن شخصية الإنسان هي قدره. ومن اطلع على ما قالته الصحف الغربية عن مواجهة بين كلينتون وأحد الحاضرين في مؤتمر صحافي يدرك أن وزيرة الخارجية اعتمدت أسلوباً مباشراً من المواجهة يخرج عن إطار الدبلوماسية المتعارف عليها. فقد طرح عليها أحد السائلين سؤالا فهمت منه الوزيرة أن السائل غير مهتم برأيها بقدر اهتمامه برأي زوجها بيل كلينتون، الرئيس الأميركي الأسبق. وهنا أجابت بحدة قائلة: أتسألني رأي زوجي؟ زوجي ليس هو وزير الخارجية. أنا صاحبة المنصب.

وبذلك بدأت كلينتون زوبعة من الرأي والرأي المضاد. وتدفقت التعليقات والتحليلات ومنها أنها تغار من نجاح زوجها في كوريا الشمالية حين توسط لصالح صحافيين أميركيين محتجزين هناك.

والجدير بالذكر أن قارئ السيرة الذاتية لهيلاري، التي نشرت منذ سنوات وحققت مستوى من المبيعات فاق كل التوقعات، يدرك أن هيلاري لم تتغير منذ شبابها المبكر. فقد اعترفت بأنها التقت بزوجها وهي طالبة في مكتبة الجامعة. منذ أول لقاء لاحظت أنه يطيل النظر إليها. بعد عدة أيام سارت إلى حيث يجلس وقالت له: بما أنك تطيل النظر إليَّ فقد جئت لأعرفك بنفسي: أنا هيلاري فوردام.

يحتمل أن المواجهة أدت إلى ارتباط وزواج، لكنه ارتباط تعرض لكثير من الأزمات ليس أقلها أزمة مونيكا لوينسكي. والطريف أن هيلاري اعترفت في سيرتها الذاتية بأنها قلبت حياة الزوج الخائن إلى جحيم في حياتهما الخاصة رغم أنها لم تتخل عنه في الحياة العامة. وهو اختيار يتناسب مع ميلها للمواجهة والتحدي على الصعيدين الخاص والعام.

لا شك في أن حدث المواجهة الكلامية في الكونغو سوف يتراجع في الأهمية كما تراجعت أزمة لوينسكي. وسوف تطفو أحداث أخرى على السطح فيما يتعلق بأداء وزيرة الخارجية كوزيرة خلال السنوات الأربع المقبلة. ويحتمل أن تتعرض هيلاري لشتي أنواع النقد، لأنها استقرت في النفوس كامرأة تنافس زوجها على خانة في التاريخ الأميركي. وسواء كانت المنافسة حقيقية أم بعيدة عن الحقيقة، يطرح الموقف تساؤلا مهما عن التجربة الإنسانية بين الأزواج والزوجات من ذوي المهنة الواحدة، إذا طغى نجاح الزوجة على نجاح الزوج في المجال نفسه تتعرض العلاقة الزوجية إلى توترات تؤدي في النهاية إلى تضحية أحد الطرفين بقليل أو كثير، لكي تستمر الحياة بينهما. وفي أحيان كثيرة يتهشم مركب الزواج على صخور الجدل والاتهام.

ما هو الأسلم إذن؟ أن تتخلى المرأة عن كل نجاح خارج إطار دورها كزوجة؟ وهل من العدل أن يكون ثمن الاستقرار في علاقة زوجية هو التنازل عن كل نجاح آخر لكي يظل الزوج وحده في دائرة الضوء؟ كل تلك الأسئلة نظرية والأجوبة عنها تبقى في سياق نظري، لأن التجربة المعيشة تخضع لديناميكية شديدة الخصوصية.

وأعود هنا إلى المقولة التي بدأت بها كلامي. لو كانت الشخصية قدراً فأحمد الله الذي منحني شخصية لا تترفع عن الحلول الذكية حتى وإن بدت كحلول وسطى. فقد هداني إحساس قوي بأن الزواج بزميل مهنة هو أشبه بالمشي على الحبل. خطوة واحدة في غير مكانها الصحيح تؤدي إلى هلاك مؤكد. ولذلك آثرت السلامة وتزوجت طبيبا.