دون الخروج من مكاتبكم

TT

شهد القرن العشرون صراعاً بين آيديولوجيات كثيرة ذات منبعين رئيسيين: الشيوعية والفاشية. أو اليسار واليمين وفق التسمية العامة. وراوحت فروع الأول بين التروتسكية والماوية والاوروكوميونيسم، فيما راوحت فروع الثاني بين النازية والفاشية وكتائب فرانكو وحركة المقاومة السرية الفرنسية في الجزائر.

اختلف الفريقان حول النظرة إلى المجتمع وإلى الدولة وإلى الحياة وحتى إلى السماء. لكنهما اتفقا على أسلوب واحد هو العنف والإبادة والكذب. ومن أجل الكذب، كشرط أول للبقاء وإلغاء الآخر، استخدما الوسائل نفسها في إلغاء الحقيقة وإقفال الإعلام وتعليب الحقائق بأسلوب واحد وألفاظ واحدة ولغة بليدة واحدة.

لقد تنافس هتلر وستالين في عدد معسكرات الاعتقال وفي عدد الضحايا وفي تلميع جزم «فرق الصاعقة» وفي استعباد الشعوب الأخرى وفي الاستبداد بشعوبهم وفي تصفية رفاقهم وإخوانهم، لكنهما اتفقا على لغة واحدة في تسويق الجحيم وفي تزويق جهنم. استخدما صحيفة واحدة (في موسكو سميت «الحقيقة» أو «البرافدا» وماذا إلا؟) وإذاعة واحدة و«غوبلز» متشابه، واحدة يؤله «الرفيق القائد» وواحد يصور «الفوهرر» متجاوزاً الألوهية وجميع من آمن بهم الألمان من أنبياء.

وعندما زالت النازية والفاشية ظل الشيوعيون حول العالم يستخدمون الألفاظ نفسها دون أي محاولة ابتكار. فقد كان اغوستو بينوشيه في التشيلي فاشيا بسبب جرائمه واستبداده وتمسكه بالسلطة. أما فيدل كاسترو الذي كان يرسل في البداية كل صباح «وجبة» من الناس إلى الإعدام بالرصاص فهو «الرفيق» و«الزعيم الكوبي» و«بطل تحرير أميركا اللاتينية» برغم تمسكه بالسلطة نصف قرن وعزل كوبا وتعريضها للحصار وتعريض العالم أجمع لخطر الدمار الشامل.

عاشت كوبا منذ وصول كاسترو إلى هافانا بصحيفة واحدة وإذاعة واحدة وتلفزيون واحد وحزب واحد ورأي واحد ولغة واحدة وتعابير لم يدخل عليها أي ابتكار أو تجديد أو إضافات برغم صداقات القائد مع بعض أشهر أدباء العالم، وفي طليعتهم غارسيا ماركيز. لقد عملت الجمهورية الإيرانية بمبدأ وتجربة الفريقين، اليسار واليمين. أغلقت كل شيء وسمحت لمراسلي التلفزيون بأن يغطوا الأحداث «دون الخروج من مكاتبهم».