شخصية: لا هي هنا ولا هي هناك!

TT

في أعقاب الأحداث الكبرى يقف الناس إما (مع ) أو (ضد) أو لا مع ولا ضد ـ أي أن الأمر لا يعنيهم.. أو ليس لهم دور.

هذا واضح في أعقاب الثورات والحروب..

وقد انشغل عدد كبير من الأدباء بهؤلاء الذين لا مع ولا ضد.. أي الذين لا ينتمون.. أي اللامنتمين..

وربما كان الأديب الروسي لورجنيف هو أول من التفت إلى هؤلاء الذين لا أهمية لهم.. المجتمع يرى أنهم بلا دور أو أنهم هم الذين لا يجدون لهم دورا.. أو لا يحاولون.. فله رواية «الذين لا أهمية لهم»، والأديب الألماني ايشيندورف له رواية اسمها «يوميات حائر بائر».

والأديب الإنجليزي كولن ويلسون له كتاب اسمه «اللامنتمي».. أي الذي لا ينتمي، أو الذي لا يريد أن ينتمي..

ولكن ظهرت بعد الأحداث الكبرى نوعية أخرى، وهي أن هناك ملايين الذين لا دور لهم.. المجتمع لا يريدهم.. وهم أيضا لا يريدونه.. وهناك من هم أسوأ من ذلك.. لا إرادة لهم. فقد وجدوا أنفسهم على هامش كل شيء.. ويستوي أن يعيشوا وأن يموتوا.. وأن يكون لهم وجود أو لا يكون. وقد اهتمت الفلسفة الوجودية بهذا الطراز من الناس الرافضين المرفوضين أو الذين لا يشعر بهم أحد.. لا أحد يشعر بهم، ولا هم يشعرون بأحد. ولنا أن نتساءل: أي ناس هؤلاء؟ عليهم وحدهم أن يختاروا..

والرسول عليه الصلاة والسلام عندما خرج من الطائف قال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس»..

أي أنه هان على الناس..

أقسى من ذلك أنه هان على نفسه..

ولكثرة الحوادث والمصائب في دنيانا فقد أصبح هذا الطراز من الناس أغلبية في كل مكان.. أناس صاروا أصفارا.. المجتمع أرادهم أصفارا، وهم قرروا أن يكونوا أصفارا.. وعاشوا وكأنهم ما عاشوا وماتوا وكأنهم ما ماتوا.. وهم بمئات الملايين!