بعشرين دولارا تقضي على طالبان!

TT

هذا السعر ليس من خيالي بل في تقرير لمجلة «تايم» الأميركية بنته على رأي متعاملين مع سوق القتال والحرب في أفغانستان. ووجهة النظر تقول ان مقاتل طالبان الذي ينعتونه بـ«جندي أبو عشر دولارات»، والذي جعل حياة قوات الحلفاء لا تطاق وكبد الاميركيين نحو ثمانمائة قتيل وخسائر هائلة في كل المعارك، قد يكون هو الحل لا المشكلة. فإذا كان هذا سعره فلندفع له الضعف ليقاتل الى صفنا.

لكن هل صحيح انه يمكن لجندي ان ينقل البندقية من كتف الى كتف بعشرة دولارات إضافية؟ هل صحيح ان للجنود أسعارا لا مبادئ والتزامات؟ وهل صحيح ان الحروب، وحرب أفغانستان تحديدا، هي بورصة بشرية؟

لننظر إلى أفغانستان من خلال تجربة العراق. من المؤكد انه كانت هناك مقاومة حقيقية، وتؤمن بالمبادئ التي رفعتها ضد الاميركيين وضد النظام العراقي الجديد. لاشك في ذلك، لكن جزءا كبيرا أيضا من المقاومة ولد بسبب الحرمان والإقصاء المتعمد. فتسريح الجيش والأمن والأجهزة الحكومية الأخرى التي أمر الاميركيون بحلها فور سقوط بغداد أنجب ملايين العراقيين المنبوذين، فقط بجريرة أنهم كانوا يعملون في النظام السابق. أمر يخالف المألوف في معظم عمليات التغيير التي مرت بها الأنظمة، حيث العرف ان يتم التخلص من الطبقة القيادية العسكرية والمدنية من دون المساس بما دونها. وهذا ما فعله الإمام الخميني عندما أزاح الشاه، واستخدم كل أجهزته الموروثة بما فيها السافاك، الجهاز الاستخباراتي الدموي الذي كان يسوم المعارضة العذاب بالحديد والنار. ملايين المتضررين العراقيين لم يهمهم سقوط صدام بدليل أنهم لم يقاتلوا إلى صفه، ولكن تحولوا الى عدو منذ ان توقفت مرتباتهم وأعلنوا مطرودين من وظائفهم. هنا دخلت «المقاومة الصادقة» على خط العاطلين الغاضبين، واستمالتهم برسالة سياسية مناسبة ونقود قليلة، واستخدمتهم دول الجوار والتنظيمات العراقية التي خسرت الحرب. صار ما صار أربع سنوات من بحر الدماء حتى جاء الجنرال الاميركي بتريوس وعقد صفقة مع العشائر السنية في الغرب العراقي الذي كان قد اعلن انه سقط بشكل كامل في يد «القاعدة». اعترف بسلطة العشائر، وقبل ان تشكل قوات لحماية مناطقها من تنظيم «القاعدة» الشرير، وان يدعمهم بالسلاح والمال. وفي فترة قصيرة استطاع العراقيون فعل ما عجزت عنه الارمادا الاميركية، انتصروا في الحرب ضد «القاعدة» ودمروها.

هل نستطيع ان نقول إن الاميركيين اشتروا العراقيين بالمال؟ لا، تراجعوا عن موقفهم الخاطئ، واعترفوا بوجود هؤلاء المبعدين كسلطة على أهلهم وأرضهم ليدافعوا عنها بدلا من جلب المارينز الاميركي او قوات النظام العراقي الجديد المغضوب عليه.

في افغانستان الحال مشابهة. فالحكومة أفغانية ونسبة كبيرة من أفراد الجيش أفغاني تحارب مع قوات الناتو. وهؤلاء جميعا يحاولون السيطرة على مناطق طالبان، في حين لو انهم شكلوا قوات من نفس القبائل ومنحوهم سلطة على أراضيهم لربما شهد الأفغان صحوة مماثلة للعراقيين. الاميركيون يقدرون الفاتورة وفق السعر المضاعف بنحو ثلاثمائة ألف دولار في اليوم، مقابل 133 مليون دولار ينفقونها يوميا على جنودهم هناك.

بالتأكيد هناك طالبانيون لن يلقوا السلاح وسيحاربون حتى آخر رمق مجانا الى جانب قيادتهم.. لكن السؤال كم عدد هؤلاء؟ علينا ان نعرف ان نفط افغانستان هو الهيروين الذي يدر ذهبا على تجار المخدرات التي هي سبب أساسي في الحرب اليوم.

[email protected]