كأنها أغنية: رق الحبيب لأم كلثوم!

TT

من فضل الله علينا أننا ننسى أن الأيام تقدمت بنا تجري وتتعجل النهاية.. وأحيانا نتذكر ولا نعرف ما الذي يمكن عمله.. إلا أن نغالط وننسى.. زمان كنت إذا قابلت أحدا ومعه ابنته، فإنه لا يشير إليها كأنها شبح. لماذا؟ لأنني كنت أكتب عن الزواج بلا حب والحب بلا زواج.. ولما تقدمت في السن، كان الرجال يقدمونني لزوجاتهم وأولادهم فلا خوف.. لان هناك قدرا من العقل والنضج.. وأخيرا اعتدت على من يقول لي: تصدق بالله ومالكش عليّ يمين.. هناك واحدة لا تنام الليل ولا يهنأ لها بال إلا إذا قرأت لك كتابا.. طبعا أشعر بشيء من السعادة. وفجأة يقصف عمر السعادة فيقول: تعرف مين؟ جدتي!!

يعنى واحدة من سني!

وعرفت مقياسا آخر للسن إن كان مقعدي في الطائرة إلى جوار النافذة أو على الممر. طبعا لا أسأل ولا أعرف إن كان مقعدي في الدرجة الثانية.. فأول طائرة ركبتها في رحلة استغرقت شهرا في أوروبا كانت من (طيران جيبوتي).. وكانت مخصصة لنقل الحيوانات من شرق أفريقيا إلى غربها.. المقاعد متواجهة.. أي أننا نجلس على الجانبين ونمسك حبلا واحدا.. والطائرة تتدحرج ونضحك وننام.. ولما انتهت رحلتي الشهيرة التي استغرقت 228 يوما لم أذكر ولا مرة إن كانت الطائرة مريحة أو كان مقعدي في الأول أو في الآخر.. المهم أن أطير وأن أسافر.. أتفرج وأستمتع وأكتب وبس..

ولم أفكر لحظة واحدة في خطورة أن أركب طائرة بمحرك واحد لأتفرج على بركان نام قرنين وصحا فجأة. وعندما هبطت الطائرة وجدت الحمم قد نفذت من جناحيها على بعد ملليمترات من خزانات الوقود. في هذه اللحظة خفت.. وأضفت هذه الجرأة إلى حساب سوء التقدير عند الشباب. وكنت إذا سألني رئيس التحرير: تسافر؟ فأقول نعم، ويعود فيسألني: هل تعرف إلى أين؟ وكيف؟ ومتى؟ ويكون الجواب جاهزا: أي وقت، بأي شكل، وأية فترة!

وقد سافرت إلى الكونغو بالقميص والبنطلون وإلى باكستان كذلك.

أما الآن، فإنني أسأل: أين وكيف وكم من الوقت وفي الدرجة الأولى طبعا.. واسم الفندق.. فلا بد من مراعاة فروق التوقيت..

وسوف يبقى صوت المضيفة وهي تعلن عن شركة مش عارف رحلتها رقم مش عارف المتجهة إلى أي مكان وأنها سوف تقطع المسافة وعلى أي ارتفاع.. والله كأنه صوت أم كلثوم تغني: رق الحبيب!